للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الروم، وكان خروجه يوماً مشهوداً إلى بلاد الثغور١، ولكن مؤنساً عاد إلى بغداد قبل أن يصل الثغور، لاشتداد أذى القرامطة، حيث هاجموا بيت الله الحرام، وانتزعوا الحجر الأسود من مكانه عام ٣١٧ هـ٢ وهكذا بقيت الثغور بدون غوث من الخلافة، فضغط الروم على المسلمين ودخلوا ملطية، وعاشوا فساداً في ثغور أرمينيه٣، فعزمت الثغور الجزرية على طاعة ملك الروم، ولكن مفلح الساجي أعاد الثقة إلى النفوس حين التقى مع الدمستق وهزمه عام ٣١٧ هـ، ودخل وراءه إلى بلاد الروم٤، كما قام ثمل والي طرسوس في ربيع الأول عام ٣١٩ هـ، بغزو الروم، فعبر نهراً، ونزل عليهم ثلج إلى صدور الخيل، ولم يثنهم ذلك عن الجهاد، وانتصروا على جمع للروم، فقتلوا ستمائة، وأسروا نحواً من ثلاثة آلاف. وفي رجب من السنة نفسها عاد ثمال إلى طرسوس، ودخل بلاد الروم صائفة في جمع كثير من الفارس والراجل، فبلغوا عمورية، ودخولها وقد انسحب منها الروم، وأوغلوا حتى وصلوا إلى أنقرة، وعادوا إلى طرسوس في رمضان٥. فشاع صيت ثمل في بلاد الروم، ورهبوه، ولكنهم تمكنوا من دخول ملطية بعد حصارها وإعطائها الأمان عام ٣٢٢ هـ. فتمكن الروم من أهلها، وقتلوا خلقاً كثيراً، وأسروا ما لا يحصون كثرة٦. في حين استمرت طرسوس تقوم بدورها، وأصبحت زعيمة الثغور جميعاً بحق، وخاصة بعد انشغال الخلافة بمشكلاتها، وقتل الخليفة المقتدر عام ٣٢٠ هـ. وازداد انتكاس الخلفاء العباسيين.

وفي عام ٣٢٤ هـ تخلّى الخليفة الراضي بالله (٣٢٢-٣٢٩) عن كل صلاحياته تقريباً، وسلم مقاليد الدولة لمحمد بن رائق أمير الأمراء٧، وأصبح التنافس على هذا المنصب الخطير بين القادة. وضعف أمر الخلافة جداً عام ٣٢٥ هـ، وصارت البلاد بين خارجي قد تغلب عليها، أو عامل لا يحمل مالا إلى الخلافة، وصارت أشبه بملوك الطوِائف٨، وتمتع أهل الثغور عامة، وطرسوس خاصة باحترام جميع المسلمين، حيث وقفوا سدا في وجه أطماع الدولة البيزنطية، تحطمت على صخرتها موجات الصليبية المرة تلو المرة. وخسرت عام


١ البداية ١١/١٥٥.
٢ نفسه ١١/ ١٦٠، السيوطي ٣٨٤
٣ الكامل ٦/ ١٩٩.
٤ الكامل ٦/٢٠٧، البداية ١١/١٦٣.
٥ الكامل ٦/٣١٦-٣١٧، البداية ١١/١٦٦، في حين ذكر الذهبي أن والي طرسوس هزم الروم، ثم هزموه عام ٣١٩ هـ سير أعلام النبلاء ١٥/٥٤.
٦ البداية والنهاية ١١/١٧٧.
٧ تاريخ الخلفاء للسيوطي ص ٣٩٢.
٨ السيوطي- تاريخ الخلفاء٣٩٢.

<<  <   >  >>