قال ابن العربي: ولأن عِرض الكافر لا حرمة له، كالفاسق المعلن لا حرمة لعرضه، بل هو أولى لزيادة الكفر على المعلن بالفسق.
ثانياً: وأما العقل: فلأنَّ الحد إنما شرع للزجر عن الأذية بالضرر الواقع على المقذوف، ولا مضرة على من فقد العقل، فلا يحد قاذفه.
ثالثاً: وأما البلوغ: فالأصل فيه أن الطفل لا يتصور منه الزنى كما لا يتصور النظر من الأعمى، فلا يحد قاذف الصغير أو الصغيرة عند الجمهور. وقال مالك رَحِمَهُ اللَّهُ: إذا رمى صبية يمكن وطؤها قبل البلوغ بالزنى كان قذفاً: وقال أحمد رَحِمَهُ اللَّهُ: في الصبيَّة بنت تسع يحد قاذفها.
قال ابن العربي: والمسألة محتملة مشكلة، لكن مالك غلْب عرض المقذوف، وغيره راعي حماية ظهر القاذف، وحمايةُ عرض المقذوف أولى لأن القاذف كشف ستره بطرف لسانه فلزمه الحد. وصحح ابن المنذر الرأي الأول فقال: لا يحد من قذف من لم يبلغ، لأن ذلك كذب ويعزر على الأذى.
رابعاً: وأما الحرية: فالجمهور على اشتراطها، لأن مرتبة العبد تختلف عن مرتبة الحر، فقذف العبد - وإنْ كان حراماً - إلا أنه لا يحد القاذف وإنما يعزر لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:«من قذف مملوكة بالزنى أقيم عليه الحد يوم القيامة إلا أن يكون كما قال» ولأن العبد ناقص الدرجة فلا يعظم عليه التعبير بالزنى. قال العلماء: (وإنما كان ذلك في الآخرة لارتفاع الملك، واستواء الشريف والوضيع، والحر والعبد، ولم يكن لأحد فضل إلا بالتقوى، ولما كان ذلك