للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

إلى درجة المبالغة وغيورا إلى درجة الحقد. وقد أودت آراؤه بحياة الآغا يحيى من قبل، وهو الآن يعمل للاستيلاء على الحكم من يد حسين. وكان يتقرب من الانكشارية الذين لا يصعد أي متآمر إلى السلطة إلا بأيديهم.

كان الخزناجي قد عين للدفاع عن قلعة مولاي حسن. ومن هناك بدأ يعد مشروعا للتفاوض مع الفرنسيين على شروطهم. وكان نشاطه يزداد كلما اقترب الجيش الفرنسي من القلعة. وكان لا يبالي بترك أبواب القلعة مفتوحة، أما الذين كانوا معه فقد كانوا مستعدين للفرار في أية لحظة، ولاضطرابه نسف مخزن البارود الصغير الذي كان في القلعة فأحدث ضجة وزلزالا هائلا اهتزت له المدينة. ولو نسف المخزن الكبير لأحدث أضرارا كبيرة بالمدينة والسكان.

وبعد استيلاء الفرنسيين على قلعة مولاي حسن جمع حسين باشا أمناء الطوائف وأعيان المدينة ورجال القانون والدين وشرح لهم الوضع الذي عليه البلاد وطلب منهم النصيحة فيما يفعل لمواجهة الوقف. وقد وضع أمامهم السؤال التالي: هل يعتقدون أنه من الصواب مواصلة المقاومة ضد الفرنسيين أو يجب تسليم المدينة إليهم (الفرنسيين) والتوقيع معهم على معاهدة استسلام. ولكن الحاضرين وجدوا أنفسهم في حرج، فهل ينصحون بالاستسلام بينما قد يكون رأيه هو المقاومة؟ وبعد تقليب الموضوع من عدة وجوه أجابوه بجواب غامض، وهو أنهم على استعداد لمواصلة الحرب، لكن إذا كان رأيه غير ذلك فهم يطيعون أوامره.

وشيئا فشيئا بدأت روح الهزيمة تدب في أوصال الجهاز الإداري والجهاز الاجتماعي أيضا. وقد كان للبيان الذي وزعه الفرنسيون بمهارة تأثير كبير على بعض الأشخاص الذين يسمون أنفسهم بالمعتدلين (١). وكان هؤلاء قد اقتنعوا بأن الفرنسيين قد جاءوا حقا (محررين) للجزائريين من


(١) أنظر هذا البيان في كتابي: (الحركة الوطنية الجزائرية) (دار الآداب، بيروت، عام ١٩٦٩) ملحق ١.

<<  <   >  >>