فان هناك شيئا آخر عليه أن يقوم به وهو رحلة الدنوش أو القيام بزيارة إلى مدينة الجزائر كل نصف سنة لتقديم تقرير عن المحصول في الإقليم. وتقام لذلك حفلة خاصة تقليدية. وفي كل ثلاث سنوات كان الباي يذهب بنفسه على رأس الوفد. وكثيرا ما كانت هذه الرحلة إلى العاصمة محفوفة بالأخطار لأن الباي قد لا يعود إلى مقر إدارته إذا لم يرض الباشا وحاشيته ومقربيه بالهدايا الثمينة ومظاهر النجاح في فرض السلطة. ويظل الباي في مدينة الجزائر في العادة ثمانية أيام. وكانت عودته إلى مقر عمله تتوقف على تسلمه قفطانا جديدا من الباشا، وهو ما يعتبر في عرفهم تجديدا للثقة فيه من الإدارة المركزية. وعلى أية حال فان قدوم الباي إلى العاصمة كان يتم في بهجة عامة وتقام لذلك حفلة تدوم عدة أيام، وكان أهالي العاصمة ينتظرونها ويستمتعون بها، ويعتبرونها نوعا من التغيير في حياتهم الرتيبة (١).
وهناك عدة وظائف قضائية يتولاها القاضي والعدل والعون والوكيل.
وكان هؤلاء يختارون من بين العلماء بعد أن يجتازوا امتحانا خاصا. وكان حكم هؤلاء المسئولين لا رجعة فيه غير أن للمفتي أن يقول كلمته فيه. وكان المذهبان الحنفي والمالكي ممثلين في جميع المستويات: فهناك محكمة حنفية وأخرى مالكية، ومفاتي وقضاة حنفيون وآخرون مالكيون، ومجلس مشترك.
هذا بالنسبة للمسلمين، أما بالنسبة للإسرائيليين فقد كان لهم قضاة خاصون بهم (الأحبار) وأما المسيحيون فقد كانوا يحاكمون في القنصليات الأجنبية الموجودة في الجزائر. وتحتفظ الدولة بحق التدخل إذا لزم الأمر، ولا سيما في القضايا الجنائية.
ويمتاز القضاء زمن العثمانيين بالتنفيذ السريع والعقاب الصارم إذا اقتضى
(١) انظر بعض التفاصيل عن رحلة الدنوش في كتاب (مذكرات الشريف الزهار) نشر أحمد توفيق المدني، الجزائر، ١٩٧٥.