الذي كان من الانكشارية، لم يكن طبيبا بالمعنى الحقيقي للكلمة، وكان جراح باشى كثيرا ما يأخذ الرشوة ليسكت على الحادث. وكان المزوار أو مساعده هو الذي يتولى رئاسة الفرقة التي تتألف من عرب الحضر، فاذا كانت الفرقة من أهل زواوة فان رئيسها يدعى القلباشى. وكان من الممنوع السير ليلا بدون مصباح في مدينة الجزائر. ولكن لا يسمح لليهود سوى بحمل شمعة أو مصباح زيتي تمييزا لهم، وتمتاز مدن الجزائر عندئذ بأن أهلها كانوا ينامون باكرا ويستيقظون باكرا أيضا. ويلاحظ أن ما قيل في عاصمة البلاد يقال في عوصم الأقاليم وأهم المدن الأخرى.
وهكذا نرى أن هناك خصائص تميز الإدارة العثمانية في الجزائر.
وأهم هذه الخصائص الولاء المطلق للسلطان، وبقاء الانكشاريين في حالة عزوبة استعدادا للمهمة العسكرية التي أعدوا من أجلها. فاذا تزوج الانكشاري فان أبناءه وأحفاده يصبحون كراغلة (أمهاتهم جزائريات) ولا يتمتعون بنفس الحقوق التي يتمتع بها آباؤهم. ومن أهمها أيضا العنف الذي صحب تغيير الحاكم، فقلما يموت الحاكم في فراشه. ومن حسن الحظ أن الاضطراب كان يقتصر على القصر ولا يمتد إلى عامة البلاد. وكانت هذه الإدارة محافظة متمسكة بالتقاليد الاجتماعية والدينية، وهي تقوم على نظام اجتماعي طبقي يبدأ بالعبيد وينتهي بالوجق العثماني (الأرستقراطي) مارا بطبقة وسطى يمثلها عادة العرب الحضريون وهم غالبا سكان المدن من التجار والصناع وأصحاب الحرف والخوجات والعلماء. وتمتاز الإدارة العثمانية بالقسوة في العقوبات وسرعة التقاضي وتنفيذ الأحكام. كما تمتاز بالتعفن الإداري والاجتماعي كالرشوة والتوريط والتواكل والغش. فما موقف الفرنسيين من هذه الإدارة بعد احتلالهم للجزائر؟ وما الجديد الذي أدخلوه عليها (١)؟
(١) يجد المهتم تفاصيل هامة عن الحياة الإدارية والاجتماعية في العهد العثماني بالجزائر.