للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فهل كان ابن عمر مؤهلا لهذا الدور؟ تذكر المصادر الفرنسية أنه كان قليل المبادرة، ولم تكن له قدرة لا على التنظيم ولا على الحكم. ومن جهة أخرى أمره كلوزيل عند تعينه (١) أن لا يغير شيئا من الإدارة السابقة، وأن يعمل كأنه باي قديم ولكن الفرنسيين يتهمونه بأنه قد ترك كل شيء يتدهور، وأنه فشل في جلب النافرين إلى فرنسا، وبالأخص عائلات المدية عاصمة الإقليم. وقد اقتصرت أعماله إذن على تسيير الأمور العادية داخل المدينة، وهي أعمال تتعلق بالقضاء والمخالفات ونحوها (٢). ومع ذلك فقد تعلق به أهل المدية ورغبوا في بقائه عليهم حين أراد أن يعود إلى مدينة الجزائر في صحبة الجيش الفرنسي. فابن عمر كان يعرف أنه لا قدرة له على مواجهة الموتف بعد انسحاب الجيش الفرنسي من المدية ولكن المواطنين خافوا من حلول الفوضى فأصروا على بقائه بينهم.

كان كلوزيل قد دخل المدية في ٢٣ نوفمبر ١٨٣٠ وأخذ بومزراق أسيرا، وعين بدله ابن عمر المذكور، وترك معه حامية بقيادة دانليون Danlion وعاد إلى الجزائر. وإذا كان بومزراق قد استسلم وذهب إلى الاسكندرية فان ابنه الشاب سي أحمد قد ظل ثائرا، ويقال أن كلوزيل قد ارتكب غلطة بعدم اعتقاله مع أبيه (٣) وعلى أية حال فانه قد ظل زمنا في الببدة إلى أن أحس بأن الظروف مواتية لإعلان الثورة، ثم عاد إلى المدية. مقر حكم والده وقاد الثائرين ضد ابن عمر واحتل دار الباي الريفية، بل كان يدخل المدية دون أن يجرؤ الباي على اعتقاله. وعندما تفاقم أمره طلب ابن عمر النجدة من القائد الفرنسي العام في الجزائر الذي خلف كلوزيل. فجاء بنفسه (أعني برتزين Berthezene) . وهناك انسحب سي أحمد بن


(١) ظل الفرنسيون يتبعون تقليد العثمانيين عند إسناد منصب الباي إلى من يرغبون وهكذا كانوا يخلعون على الشخص قفطانا ويسلمونه سيفا. ولكن منصب لباي سرعان ما زال.
(٢) أنظر دي رينو، ج ١، ص ١٦١ - ١٦٢.
(٣) نفس المصدر، ص ١٩٨.

<<  <   >  >>