للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حتى للعاجزين عن ذلك، فقد جاء في أخبار السنة النبوية أن فقراء الصحابة قد اهتموا في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم بفعل الخير والإحسان، غير أنهم وجدوا أنفسهم عاجزين عن ذلك، فهم يحبون أن يتصدقوا أو يعتقوا الرقاب أو يجهزوا المجاهدين في سبيل الله أو غير ذلك من أوجه البر والإحسان، لذلك ذهب منهم جماعة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يشكون حالهم وفقرهم وقصر ذات أيديهم عن بذل المال، لأنهم فقراء لا مال لهم، فهم لم يحسدوا الأغنياء على ما في أيديهم من الأموال، ولم يشكوهم لأنهم أكلوا عرقهم، إنما لأنهم يحبون أن يفعلوا الخير ولا قدرة لهم عليه، فقد جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه:

(إن فقراء المهاجرين أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله ذهب أهل الدثور - يعنون الأغنياء - بالدرجات العلى والنعيم المقيم، فقال: وما ذاك؟ قالوا: يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون ولا نتصدق، ويعتقون ولا نعتق، فأرشدهم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى عمل يلحقهم بمن سبقهم ويسبقون به غيرهم، ولا يكون أحد أفضل منهم إلا من صنع مثل صنعهم، فلما رضوا بذلك أرشدهم إلى أن تسبيح الله وتحميده وتكبيره عقب كل صلاة مفروضة ثلاثا وثلاثين مرة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلى آخر ما جاء في متن الحديث بطرقه وألفاظه المتعددة، في كل ما ذكر أجر عظيم وثواب كثير، يوازي ما يقدمه الأغنياء من صدقات وغيرها، لأن فيه تنزيه الله عما لا يليق به وتكبيره وتعظيمه الخ، لأن ذلك يدل على قوة الإيمان، في حين ربما قد لا يكون للمتصدق بماله ثواب ولا أجر، لاختلال في صدقته.

نستلهم من هذا الإرشاد النبوي سبل تربية الإسلام للمسلمين، فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يوغر صدور الفقراء على الأغنياء، فلم يقل لهم - مثلا - أنهم ظلموكم، أو أكلوا عرق جبينكم، أو امتصوا دماءكم أو غير ذلك مما نسمعه اليوم من محترفي السياسة وزعماء الإشهار، بل دلهم على أعمال تعود عليهم بالنفع والخير، من غير خصومة ولا عداوة لأحد، فليس في القوانين البشرية الوضعية ما في قوانين الشريعة الإسلامية لو وجد في المسلمين من ينفذها ويعمل بها.

يزعم واضعوا القانون البشري أن فيه الحماية والرعاية لحقوق العامل

<<  <   >  >>