للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الفصل التاسع: افتخار أمراء المسلمين بإسلامهم، واعتزازهم بدينهم.]

كان الحكام المسلمون محل احترام ومحبة وطاعة لأنهم الحماة لهم والمحافظون على أموالهم وأعراضهم، والمدافعون عن حرماتهم، من دين وعقيدة وأعراض وغير ذلك، وقد طبع الإسلام الواحد منهم بطابعه الخاص، ورباه بتربيته الكاملة من حبه الخير للمسلمين، وأمره بالتواضع للكبير والصغير والذكر والأنثى، والغني والفقير، بلا فرق بينهم، ونهاه عن إغلاق بابه دون ذوي الحاجات منهم، كي يصلوا إليه في كل أوقات الحاجة وهو يجتمع معهم في المسجد ومشاهد الخير ولم يرض له أن يكون جارا عنيدا قاهرا لا يصل إليه أحد من ذوي الحاجات إلا إذا كان من المقربين إليه، أو من أصدقاء المقربين إليه، تلك هي تربية الإسلام للحكام المسلمين، نراها ظاهرة جلية في فخر الإسلام والمسلمين، الأمير العادل والخليفة الصالح عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقد أفصح عما كان عليه العرب قبل الإسلام من ذلة وهوان وتفرق، وعما وصلوا إليه بعد أن جاءهم الإسلام من عزة وكرامة وقوة واتحاد، فمن أراد العزة والفخر فعليه بالإسلام.

فقد روى الحاكم في المستدرك بسنده إلى طارق بن شهاب قال: (خرج عمر بن الخطاب إلى الشام، ومعنا أبو عبيدة بن الجراح، فأتوا على مخاضة (١) وعمر على ناقة له، فنزل عنها، وخلع خفيه، فوضعهما على عاتقه، وأخذ بزمام ناقته فخاض بها المخاضة، فقال له أبو عبيدة: يا أمير المؤمنين أأنت تفعل هذا؟ تخلع خفيك، وتضعهما على عاتقك، وتأخذ بزمام ناقتك، وتخوض بها المخاضة؟؟؟ ما يسرني أن أهل البلد استشرفوك (٢) فقال له عمر: أوه ...

لو يقل ذا غيرك أبا عبيدة جعلته نكالا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام، فمهما نطلب العز بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله)، قال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، وفيه أيضا عن طريق آخر عن طارق بن شهاب قال: (لما قدم عمر الشام لقيه الجنود، وعليه إزار وخفان وعمامة، وهو أخذ برأس بعيره يخوض الماء، فقال له يعني قائل (يا أمير المؤمنين تلقاك الجنود وبطارقة الشام وأنت على حالك هذه ... ؟ فقال


(١) المخاضة موضع فيه ماء فيخوضه المارة مشاة وركبانا.
(٢) استشرفوك رأوك من مكان عال.

<<  <   >  >>