للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عمر: إنا قوم أعزنا الله بالإسلام، فلن نبتغي العز بغيره) (١) نرى من هذا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لولا مقام قائده عنده أبي عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه وهو الصحابي الجليل لولا ذلك المقام والمنزلة التي هو فيها لضربه عمر ونكل به حتى يجعله نكالا وعبرة لغيره، لأنه اغتر بالمظاهر، ولم ينظر - كعمر - إلى حقيقة العربي المسلم الذي رفع الله عنه الذل والمهانة بعز الإسلام لا بغيره، فكلمة عمر ردع وتوبيخ لأولئك الذين يحاولون أن يصلوا إلى العزة من غير طريق الإسلام، فالعزة والقوة إنما هما في الإسلام لا غير، ولهذا رأينا ما أصاب العرب والمسلمين من ذلة وهوان حين تركوا الإسلام بما فيه من عبادات ومعاملات وعظمة وتشريع، ولن يرجع إليهم ما فقدوه إلا برجوعهم إلى دينهم، وإلا فلا يطمعون.

ومن إدراك بعض أمراء العرب لحقيقة أنفسهم - كما تقدم في كلمة عمر رض الله عنه - ومقارنة حالتهم وما كانوا عليه قبل الإسلام من الفقر والمذلة والهوان، وما صاروا إليه بعد أن جاءهم الإسلام من الغنى والعزة والكرامة، من أولئك الذين لم تطغهم الإمارة فعرفوا حقيقة أنفسهم: الصحابي الجليل عتبة بن غزوان أمير البصرة من قبل الخليفة الثاني عمر ابن الخطاب رضي الله عنهما، فلنستمع إلى خطبته القيمة، بل إلى موعظته البليغة أمام ملإ من رعيته.

قال بعد أن حمد الله وأثنى عليه:

(أما بعد فإن الدنيا قد آذنت بصرم وولت حذاء، وأن ما بقي منها صبابة كصبابة الإناء، وأنتم منتقلون عنها إلى دار لا زوال لها، فانتقلوا بخير ما يحضركم، فإنه ذكر لنا أن الحجر يلقى من شفير جهنم فيهوي سبعين عاما لا يدرك لها قعرا، والله لتملأن، أفعجبتم!؟ ولقد ذكر لنا أن ما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين عاما، وليأتين عليها يوم وللباب كظيظ من الزحام، ولقد رأيتني وأنا سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما لنا طعام إلا ورق الشجر، حتى تقرحت أشداقنا، فالتقطت بردة فاشتققتها بيني وبين سعد بن مالك، فاتزرت ببعضها، واتزر هو ببعضها، فما أصبح اليوم منا واحد إلا وهو أمير على مصر


(١) المستدرك ج ١ ص٦٢.

<<  <   >  >>