للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من الأمصار وإني أعوذ بالله أن أكون في نفسي عظيما وعند الناس صغيرا).

ومن هذا القبيل ما ذكره ابن جرير الطبري وابن كثير وغيرهما عند تفسيرهما للآية ٢٦ من سورة الأنفال وهي: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} فقد رووا عن قتادة رضي الله عنه أنه قال: (كان هذا الحي من العرب أذل الناس ذلا، وأشقاه عيشا، وأجوعه بطونا، وأعزاه جلودا، وأبينه ضلالة، مكعومين (١) على رأس حجر بين الأسدين: فارس والروم، لا والله ما في بلادهم يومئذ من شيء يحسدون عليه، من عاش منهم عاش شقيا، ومن مات ردي في النار، يؤكلون ولا يأكلون، والله ما نعلم قبيلا يومئذ من حاضر الأرض كان أشر منزلا منهم، حتى جاء الله بالإسلام، فمكن به في البلاد، ووسع به في الرزق، وجعلكم به ملوكا على رقاب الناس، وبالإسلام أعطى الله ما رأيتم، فاشكروا لله نعمه، فإن ربكم منعم يحب الشكر، وأهل الشكر في مزيد من الله عز وجل).

سمعنا من بعض المغرورين من قال: تريدون منا أن نرجع إلى عهد عمر وما كان عليه، فذلك زمان وهذا زمان ... ولولا الغرور بالنفس لما صدر منه هذا القول، ولو تأمل في حياة عمر وفي زمنه لرأى أن تطبيق ما كان عليه عمر هو الآن أيسر، نظرا لما بسط الله من الرزق وتيسير سبل الحياة، والذي ينقصنا الآن عن زمن عمر إنما هو الإيمان بالله وبقضائه والامتثال لما ورد في شرع الله، إن عمر كانت تأتيه الأموال الوافرة، والألبسة الفاخرة من حرير وغيره، فلم يكن - رضي الله عنه - يقتطع لنفسه ما يعجبه، والباقي يوزعه على رعيته، بل كان يوزعها على الرعية ويبقى هو في عباءته المرقعة وكسرة الشعير، والمميز الوحيد بين حياة اليوم والحياة في زمن عمر إنما هو الإيمان وقوته وسيطرته على النفوس والمشاعر، وتقوى الله والخوف من حسابه وعقابه، وانعدام ذلك منا، وقد أعز الله به الإسلام استجابة لدعوة الرسول صلى الد عليه وسلم، أما أمثال


(١) مكعومين مأخوذ من كعم الجمل إذا ربط فاه بحبل حتى لا يعض غيره

<<  <   >  >>