للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العلماء شيخ القرافي وابن دقيق العيد، وهذا الأخير هو الذي لقبه بسلطان العلماء، فقد كانت له مواقف دلت على تقواه وخوفه من ربه وشجاعته، منها أنه لما كان خطيب الجامع الأموي بدمشق - وكان الذي ولاه الإمامة الملك الصالح إسماعيل ابن الملك العادل - حدث أن سلم الملك الصالح إسماعيل إلى الفرنج قلعتي صيدا والشقيف على أن ينجدوه على الملك الصالح نجم الدين أيوب ملك الديار المصرية، فساء ذلك التسليم المسلمين وشق عليهم، فذمه الشيخ ونال منه وأنكر عليه وقوع ذلك منه في خطبة الجمعة - وذلك دأب العلماء العاملين إذا رأوا منكرا فإنهم ينكرونه ولا يسكتون عنه، ولو صدر من أعلى شخص في الأمة - ولم يدع له كالعادة، وبذلك الاتفاق بين الملك إسماعيل وبين الفرنج صار هؤلاء يدخلون دمشق لشراء السلاح ليقاتلوا به عباد الله المؤمنين، فشق هذا أيضا على الشيخ واستفتاه الناس في بيع السلاح للفرنج فقال لهم: يحرم عليكم مبايعتهم السلاح لأنهم سيقاتلون به إخوانكم المسلمين، ولما بلغ السلطان إنكار الشيخ عليه تسليمه حصون المسلمين - بواسطة أعوان الشيطان - إلى الفرنج أمر بعزله من الخطابة واعتقاله فبقي معتقلا إلى أن جاء الملك إسماعيل إلى دمشق فأفرج عنه، فأقام مدة بدمشق ثم تركها وارتحل عنها إلى بيت المقدس.

ثم جاء الصالح إسماعيل ومعه ملوك الفرنج إلى بيت المقدس قاصدين الديار المصرية، فسير الملك إسماعيل بعض خواصه إلى الشيخ، وأوعز إليه بأن يصلح بينهما ويعود الشيخ إلى مناصبه، بشرط أن يذهب الشيخ إلى السلطان إسماعيل وينكسر له ويقبل يده، فأجابه الشيخ سلطان العلماء بهذا الجواب الذي دل على همته العالية ونفسه العظيمة وأنه فوق هذه السفاسف .. (والله يا مسكين ما أرضاه أن يقبل يدي، فضلا عن أن أقبل يده، يا قوم أنتم في واد وأنا في واد، والحمد لله الذي عافاني مما ابتلاكم به)، فقال له الرسول:

إنه رسم لي إن لم توافق على ما طلب منك أن أعتقلك، فقال له: افعلوا ما بدا لكم، فأخذه واعتقله في خيمة إلى جانب خيمة السلطان.

وكان الشيخ عز الدين يقرأ القرآن والسلطان إسماعيل يسمعه، فقال يوما لملوك الفرنج: تسمعون الشيخ الذي يقرأ القرآن؟ قالوا نعم، قال هذا أكبر قسوس المسلمين، وقد حبسته لإنكاره على تسليمي لكم حصون المسلمين وعزلته عن الخطابة بدمشق وعن مناصبه، ثم أخرجته، فجاء إلى القدس،

<<  <   >  >>