بعده يستوى على عرض الوحدانية، ومنه يدبّر الأمر لطبقات سماواته. فربما نظر الناظر إليه فأطلق القول بأن الله خلق آدم على صورة الرحمن، إلى أن يمعن النظر فيعلم أن ذلك له تأويل كقول القائل "أنا الحق" و"سبحانى" بل كقوله لموسى عليه السلام: "مرضت فلم تعدنى" و"كنت سمعه وبصره ولسانه". وأرى الآن قبض البيان فما أراك تطيق من هذا القدْر أكثر من هذا القدْر. (مساعدة) لعلك لا تسمو إلى هذا الكلام بهمتك، بل تقصر دون ذروته همتك، فخذ إليك كلاماً أقرب إلى فهمك وأوفق لضعفك.
واعلم أن معنى كونه نور السماوات والأرض تعرفه بالنسبة إلى النور الظاهر البصرى. فإذا رأيت أنوار الربيع وخضرته مثلاً في ضياء النهار فلست تشك في أنك ترى الألوان. وربما ظننت أنك لست ترى مع الألوان غيرها، فإنك تقول لست أرى مع الخضرة غير الخضرة. ولقد أصر على هذا قوم فزعموا أن النور لا معنى له، وأنه ليس مع الألوان غير الألوان، فأنكروا وجود النور مع أنه أظهر الأشياء، وكيف لا وبه تظهر الأشياء، وهو الذى يبصَر في نفسه ويبصَر به غيره كما سبق. لكن عند غروب الشمس وغيبة السراج ووقوع الظل أدركوا تفرقة ضرورية بين محل الظل وبين موقع الضياء فاعترفوا بأن النور معنى وراء الألوان يدرك مع الألوان حتى كأنه لشدة انجلائه لا يدرك، ولشدة ظهوره يخفى. وقد كان الظهور سبب الخفاء. والشىء إذا جاوز حده انعكس على ضده.