سبق أن ذكرنا في الفصل الأول من هذا الباب أن المعطلة من الفلاسفة والجهمية ومتأخري الأشاعرة على الرغم من أن لكل واحد منهم منهجا مستقلا في مسألة الصفات إلا أنهم يتفقون جميعا على إنكار الصفات الخبرية، بما فيها صفتا العلو والاستواء، ويذهبون إلى تأويل الآيات القرآنية الواردة في إثباتها إلى ما أدت إليه عقولهم من المعاني الفاسدة، التي يزعمون أن فيها تنزيها لله عن مشابهة المخلوقين.
وإن سبب ذلك التأويل الباطل، هو اعتقاد هؤلاء المعطلة أنه ليس في نفسه الأمر صفة دلت عليها النصوص، وذلك بسبب الشبهات الفاسدة التي شاركوا فيها إخوانهم من الفلاسفة، فلما اعتقدوا انتفاء الصفات في نفس الأمر- وكان مع ذلك لابد للنصوص من معنى- بقوا مترددين بين الإيمان باللفظ وتفويض المعنى، وهي التي يسميها هؤلاء المعطلة طريقة السلف، وبين صرف اللفظ إلى معان بنوع من التكلف، وهي التي يسمونها طريقة الخلف، وبهذا يتبين لنا أن هذا الباطل الذي ذهب إليه هؤلاء المعطلة إنما هو مركب من فساد العقل والكفر بالسمع، وذلك لأنهم إنما اعتمدوا في نفي تلك الصفات على شبه عقلية ظنوها بينات، وهي في الحقيقة شبهات.