الاتصاف به ناقص. فيقال لهم: معلوم أن الحوادث المتعاقبة لا يمكن الاتصاف بها في الأزل، كما لا يمكن وجودها في الأزل، وعلى هذا فالخلو عنها في الأزل لا يكون خلوا عما يمكن الاتصاف به في الأزل.
ثم إنه لم يثبت امتناع ما ذكر من النقص بدليل عقلي، ولا بنص من كتاب ولا سنة، بل بما ادعوه من إجماع، وإذا فمعلوم أن المنازعين في اتصافه بذلك هم من أهل الإجماع، فكيف يحتج بالإجماع في مسألة النزاع.
وقولهم باجماع الأمة على أن صفاته صفات كمال، فإن قصد بذلك صفاته اللازمة لم يكن في هذا حجة لهم، وإن قصد بذلك ما يحدث بمشيئته وقدرته لم يكن هذا إجماعا، فإن أهل الكلام يقولون: إن صفة الفعل ليست صفة كمال ولا نقص، والله موصوف بها بعد أن لم يكن موصوفا.
ثم إن هذا الإجماع الذي ادعوه حجة عليهم، فإنا إذا عرضنا على العقول موجودين: أحدهما يمكنه أن يتكلم ويفعل بمشيئته كلاما وفعلا، والآخر لا يمكنه ذلك، بل لا يكون كلامه إلا غير مقدور، ولا مراد، أو يكون بائنا عنه، لكانت العقول تقتضي بأن الأول أكمل من الثاني.
وكذلك إذا عرضنا على العقول موجودين من المخلوقين، أو مطلقا أحدهما يقدر على الذهاب والمجيء، والتصرف بنفسه، والآخر لا يمكنه ذلك، لكانت العقول تقضي بأن الأول أكمل.