للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

السَّمَاوَاتِ١، وَقَالُوا: إِنَّ اللَّهَ فِي كُلِّ مَكَانٍ٢، وَإِنَّهُ لَا يَتَخَلَّصُ مِنْ


١ ينكر الجهمية ومن وافقهم من المعتزلة والفلاسفة النفاة وعامة متأخري الأشاعرة والقرامطة الباطنية علو الله وارتفاعه فوق خلقه واستوائه على عرشه، تحت دعوى التوحيد والتنزيه ونفي التشبيه والتأويل، وذلك لأنهم يقولون: إن إثبات العلو يستلزم الجهة والمحايثة والحد والحركة والانتقال، وهذه الأمور على زعمهم تستلزم الجسمية لأنها أعراض، والأعراض لا تقوم إلا بجسم، والأجسام حادثة، والله منزه عن الحوادث، فقاموا تحت هذه الدعوى بتأويل النصوص الثابتة في إثبات العلو، فزعموا أن المراد بها علو القهر والغلبة، وأولوا نصوص الاستواء بالاستيلاء، وهم في كل ذلك إنما استندوا على حجج عقلية- على حسب زعمهم- ابتدعوها وأسسوها وجعلوها مقدمة على كل نص، وليس لهم في دعواهم هذه أي دليل من القرآن والسنة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وجميع أهل البدع فد يتمسكون بنصوص، كالخوارج والشيعة والقدرية والمرجئة وغيرهم إلا الجهمية، فإنه ليس معهم عن الأنبياء كلمة واحدة توافق ما يقولونه في النفي" "الفتاوى": (٥/ ١٢٢) ، وقد تقدم في قسم الدراسة ذكر أقوالهم وأدلتهم والرد عليهم.
٢ ينقسم الجهمية المنكرون لعلو الله إلى قسمين:
القسم الأول: وهم الذين ذكر المؤلف مذهبهم هنا وهم القائلون بأن الله بذاته في كل مكان وهذا هو قول النجارية وكثير من الجهمية وبخاصة عبادهم وصوفيتهم ومتكلموهم وأهل المعرفة والتحقيق منهم، كما يقول به "أهل الوحدة" القائلون بوحدة الوجود، ومن كان قوله مركبا من الحلول والاتحاد.
ويحتج هؤلاء لقولهم هذا بمقدمات وحجج عقلية مبتدعة، بنوها على أصول فلسفية كانوا قد تأثروا بها من غير أساس يعتمد عليه في كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. كما أنهم- أيضا- يحتجون ببعض النصوص من القرآن، كنصوص "المعية" و"القرب". وقد تقدم في قسم الدراسة ذكر أدلتهم والرد عليها.
أما القسم الثاني: فهم نفاة المعطلة القائلون بأن الله لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوقه ولا تحته، ولا هو مباين له، ولا محايث له، فهم ينفون بذلك الوصفين المتقابلين اللذين لا يخلو موجود منهما.
وهذا القول هو ما يذهب إليه النظار والمتكلمون من هؤلاء المعطلة الجهمية، ويرجع السبب في قولهم هذا أنهم بالغوا في نفي التشبيه حتى أدى بهم ذلك إلى نفي وجوده بالكلية خشية أن يشبهوا، فهم يقولون بهذه المقالة هربا- على حد زعمهم- من إثبات الجهة والمكان، لأن في ذلك تجسيما وهو تشبيه عندهم، فلذلك هم يقولون: "إنه يلزمنا في الوجود ما يلزم مثبتي الصفات، فنحن نسد الباب بالكلية".
وقد استند هؤلاء المعطلة على حجج عقلية مزعومة، وليس لهم على قولهم هذا أي مستند أو شبهة في القرآن أو السنة.
كما أن كثيرا من هؤلاء الجهمية المعطلة من يجمع بين كلا المذهبين فتجدهم في حالة نظرهم وبحثهم يقولون بسلب الوصفين المتقابلين فيقولون: لا هو داخل العالم ولا خارجه، وفي حالة تعبدهم وتألههم يقولون بأنه في كل مكان ولا يخلو منه شيء، وقد تقدم تفصيل المسألة في الباب الثالث من قسم الدراسة.

<<  <   >  >>