للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثُمَّ قَالَ جَلَّ وَعَزَّ: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ مَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ} ١.

"ق ٥١/ ب" وَقَالَ: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ} ٢.

ففسرت الْعُلَمَاءُ قَوْلَهُ: {وَهُوَ مَعَكُمْ} يَعْنِي: عِلْمَهُ٣.


١ سورة المجادلة، الآية: ٧.
٢ سورة الحديد، الآية: ٤.
٣ ذكر المؤلف هنا أن السلف يجمعون على تفسير المعية في قوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ} بمعية العلم، وقد نقل هذا الإجماع غير واحد. قال أبو عمر بن عبد البر في كتاب "التمهيد" (١٣٨/٧) : "إن علماء الصحابة والتابعين الذين حملت عنهم التأويل في القرآن قالوا في تأويل هذه الآية: هو على العرش وعلمه في كل مكان، وما خالفهم في ذلك أحد يحتج بقوله".
وقال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (٥/ ١٩٣) - بعد أن نقل كلام ابن عبد البر هذا وأقره-: "فهذا ما تلقاه الخلف عن السلف إذ لم ينقل عنهم غير ذلك، إذ هو الحق الظاهر الذي دلت عليه الآيات القرآنية والأحاديث النبوية" اهـ. وقال- أيضا-: "وقد ثبت عن السلف أنهم قالوا: هو معهم بعلمه. وقد ذكر ابن عبد البر وغيره أن هذا إجماع من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولم يخالفهم فيه أحد يعتد بقوله، وهو مأثور عن ابن عباس والضحاك ومقاتل بن حيان وسفيان الثوري وأحمد بن حنبل وغيرهم.
ثم ذكر الشيخ ما رواه ابن أبي حاتم في تفسيره عن ابن عباس- رضي الله عنهما- في قوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} ، قال: هو على العرش، وعلمه معهم. وروى- أيضا- عن سفيان الثوري أنه قال: علمه معهم. وروى- أيضا- عن الضحاك بن مزاحم في قوله: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُم} إلى قوله: {أَيْنَ مَا كَانُوا} قال: هو على العرش، وعلمه معهم.
وقال أبو عمرو الطلمنكي: وأجمعوا- يعني أهل السنة والجماعة- على أن لله عرشا، وعلى أنه مستو على عرشه، وعلمه وقدرته وتدبيره بكل ما خلقه قال: فأجمع المسلمون من أهل السنة على أن معنى {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} ونحو ذلك في القرآن أن ذلك علمه وأن الله فوق السموات بذاته، مستو على عرشه كيف شاء. انظر: "مجموع الفتاوى": (٥/٥١٩) .
وقد استدل حلولية الجهمية بهذه الآية على قولهم بأن الله بذاته في كل مكان فادعوا أن المراد بالمعية في قوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ} معية الذات وقد تقدم الرد على زعمهم هذا وإبطاله.

<<  <   >  >>