للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

حَبِيبٍ١، عَنْ مَكْحُولٍ٢، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ٣ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ يَطَّلِعُ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَيُمْلِي لِلْكَافِرِينَ، وَيَدَعُ أَهْلَ الْحِقْدِ بِحِقْدِهِمْ حَتَّى يَدَعُوهُ" ٤.


١ في الأصل": المهاجر بن حبيب، والصواب هو: المهاصر بن حبيب، أبو ضمرة الزبيدي الشامي، أخو ضمرة بن حبيب الزبيدي.
روى عن الشاميين، سمع منه معاوية بن صالح والأحوص بن حكيم.
وثقه ابن حبان.
"التاريخ الكبير" للبخاري: (٤/ ٢/ ٦٦) ، "الثقات" لابن حبان: (٧/ ٥٢٥، ٥٢٦) .
٢ هو مكحول الشامي، أبو عبد الله. ثقة، فقيه، كثير الإرسال، مشهور، من الخامسة، مات سنة بضع عشرة ومائة. "تقريب التهذيب": ص ٣٤٧.
٣ هو أبو ثعلبة الخشني (بضم المعجمة وفتح الشين المعجمة بعدها نون) صحابي مشهور بكنيته. "تقريب التهذيب": ص ٣٩٨.
٤ أخرجه ابن أبي عاصم في "كتاب السنة": (١/٢٢٣، حديث ٥١١) ، والدارقطني في "النزول": (ص ١٦١، حديث ٨١) ، والبيهقي في "الشعب".
جميعهم من طريق الأحوص بن حكيم عن مهاصر بن حبيب عن أبي ثعلبة الخشني مرفوعا مثله.
وإسناد المؤلف ضعيف، لأن فيه بشر بن عمار وهو ضعيف، وفيه الأحوص ابن حكيم وهو ضعيف الحفظ.
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد": (٨/ ٦٥) ، وعزاه إلى الطبراني في "الأوسط"، وقال: فيه الأحوص بن حكيم، وهو ضعيف.
وقال المنذري في "الترغيب": (٣/ ٤٦٢) ، قال البيهقي: وهو بين مكحول وأبي ثعلبة مرسل جيد.
وللحديث شواهد وطرق أخرى أخرجها ابن أبي عاصم في "كتاب السنة"، والدارقطني في "النزول"، وبهذه الشواهد والطرق يرتقي الحديث إلى درجة الصحة.
وذلك لأنه روي عن جمع من الصحابة، بلغ عددهم الثمانية كما ذكر ذلك الألباني، وقد جمع هذه الأحاديث بطرقها وشواهدها الشيخ حماد الأنصاري في رسالة سماها "إسعاف الخلان بما ورد في ليلة النصف من شعبان".
وكذلك الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة": (حديث ١١٤٤) .
التعليق:
قال شيخ الاسلام ابن تيمية: "قد روي في فضل ليلة النصف من شعبان من الأحاديث المرفوعة والآثار ما يقتضي أنها ليلة مفضلة وأن من السلف من كان يخصها بالصلاة فيها، وصوم شهر شعبان قد جاءت فيه الأحاديث الصحيحة. ومن العلماء من السلف من أهل المدينة، وغيرهم من الخلف من أنكر فضلها وطعن في الأحاديث الواردة فيها، كحديث: "إن الله يغفر فيها لأكثر من عدد شعر غنم بني كلب"، وقال لا فرق بينها وبين غيرها.
ولكن الذي عليه أكثر أهل العلم- وأكثرهم من أصحابنا وغيرهم- على تفضيلها، وعليه يدل نص أحمد لتعدد الأحاديث الواردة فيها، وما يصدق ذلك من الآثار السلفية، وقد روي بعض فضائلها في المسانيد والسنن، وإن كان قد وضع فيها شيء آخر.
وأما صوم يوم النصف مفردا فلا أصل له، بل إفراده مكروه، وكذلك اتخاذه موسما تصنع فيه الأطعمة وتظهر فيه الزينة، وهو من المواسم المحدثة المبتدعة التي لا أصل لها.
وكذلك ما قد أحدث في ليلة النصف من الاجتماع العام للصلاة الألفية- وهي التي يقرأ فيها قل هو الله أحد ألف مرة- في المساجد الجامعة، ومساجد الأحياء والدور والأسواق، فإن هذا الاجتماع لصلاة نافلة مقيد بزمان وعدد وقدر من القراءة مكروه لم يشرع، فإن الحديث الوارد في الصلاة الألفية موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث، وما كان هكذا لا يجوز استحباب الصلاة بناء عليه، وإذا لم يستحب فالعمل المقتضي لاستحبابها مكروه، ولو سوغ أن كل ليلة لها نوع فضل تخص بصلاة مبتدعة يجتمع لها لكان يفعل مثل هذه الصلاة، أو أزيد، أو أنقص ليلتي العيدين، وليلة عرفة، كما أن بعض أهل البلاد يقيمون مثلها أول ليلة من رجب ... " الخ.
انظر: "اقتضاء الصراط المستقيم": ص ٣٥٢- ٣٥٣.
وقال ابن رجب في "لطائف المعارف" ص ١٤٤: "لم يثبت قيامها وصيامها بعينها شيء عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا عن أصحابه، وثبت فيها عن طائفة من التابعين من أعيان فقهاء أهل الشام كخالد بن معدان، ومكحول، ولقمان ابن عامر، وغيرهم أنهم كانوا يعظمون هذه الليلة، ويجتهدون فيها بالعبادة، وعنهم أخذ الناس فضلها وتعظيمها، وقد قيل: إنه بلغهم في ذلك آثار إسرائيلية، فلما اشتهر ذلك عنهم في البلدان، اختلف الناس في ذلك، فمنهم من قبله ووافقهم على تعظيمها، ومن ذلك طائفة من عباد البصرة وغيرهم، وأنكر ذلك أكثر علماء الحجاز، منهم: عطاء، وابن أبي مليكة، ونقله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم من فقهاء أهل المدينة، وهو قول أصحاب مالك وغيرهم، قالوا ذلك كله بدعة. اهـ.
وقد زعم البعض أن ليلة النصف من شعبان هي الليلة المباركة المقصودة في قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [سورة الدخان، الآيتان: ٣- ٤] .
وقد رد على هذا الزعم الطبري، وابن كثير، والقرطبي، وبينوا أن القرآن قد نص على أنها في رمضان.
قال ابن كثير: "ومن قال إن الليلة المباركة في سورة الدخان هي ليلة النصف من شعبان كما روي عن عكرمة، فقد أبعد النجعة، فإن نص القرآن أنها في رمضان". "تفسير ابن كثير": (٤/١٣٧) .
وقال القرطبي في "تفسيره" (١٦/١٢٨) : "ومن العلماء من قال: إن ليلة القدر في شعبان، وهي ليلة النصف من شعبان وهو قول باطل لأن الله تعالى قال في كتابه الصادق القاطع: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [سورة البقرة، الآية: ١٨٥] ، فنص على أن ميقات نزوله رمضان، ثم عين من زمانه الليل ههنا {فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} فمن زعم أنه في غيره فقد أعظم الفرية على الله، وليس في ليلة النصف من شعبان حديث يعول عليه لا في فضلها ولا في نسخ الآجال فيها فلا تلتفتوا إليها" اهـ من كلام القرطبي.

<<  <   >  >>