للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فمتى ورد الخبر عن طريق أحد هذين المسلكين كان مقطوعاً به ووجب تصديقه.

ولكن لا بد من التمييز بين لفظ الخبر وبين مضمون الخبر، فإذا أثبت المستند الخبري قطعية الصدق في لفظ الخبر فليس معنى ذلك أن تحديد معنى اللفظ أمر مقطوع به أيضاً، إن تحديد المعنى قضية ثانية، لا بد لها من مستند آخر يحدد المعنى بصفة قطعية غير قابلة لاحتمال التأويل، فإذا تم تحديد المعنى بصفة قطعية وجب حينئذٍ التسليم به عقلاً، كما وجب التسليم بصحة نقل لفظ الخبر قطعاً، وهذا ما يطلق عليه علماء أصول الفقه الإسلامي عبارتي: "قطعي الثبوت، قطعي الدلالة".

أما إذا كان تحديد المعنى غير مقطوع به فإنهم يطلقون عبارتي "قطعي الثبوت، ظني الدلالة"، وفي هذه الحالة يجب التسليم عقلاً وشرعاً بصحة نقل لفظ الخبر، وتبقى الدلالة في مستوى الرجحان، أو قيد الدراسة والبحث لتحديد المعنى.

وقد تكون دلالة النص المقطوع بثبوته مبهمة غير واضحة أصلاً.

فلا تلازم بين كون النص قطعياً وكون معناه قطعياً أيضاً، بل لا بد في ذلك من اتباع منهج علمي دقيق أوضحه علماء المسلمين في علم أصول الفقه الإسلامي.

من أجل ذلك ليس لأحد أن يغالط في دلالات النصوص القاطعة، اعتماداً على ثبوت لفظها ثبوتاً قطعياً، إن لفهم النصوص منهجاً دقيقاً وضع له علماء المسلمين علماً قائماً بذاته، إنه علم أصول الفقه.

وتظل المفاهيم الاجتهادية المأخوذة من دلالات النصوص مفاهيم احتمالية راجحة، قابلة للنقض أو التعديل بأدلة أقوى من أدلتها، حتى تتوافر الأدلة التي تفيد القطع بصحة هذه المفاهيم، وعدم قابليتها للنقض أو التعديل بحال من الأحوال، عندئذٍ يغدو معنى النص قطعياً، وعندئذٍ يصح أن يوصف بأنه قطعي الثبوت قطعي الدلالة، أو قطعي اللفظ قطعي المعنى.

<<  <   >  >>