للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

منهما يفرض احتمال أن يكون الواقع بخلاف هذا أو بخلاف هذا، أو بخلافهما جميعاً، فليس أحدهما حجة على الآخر، إلا أن تكون أدلة ترجيحه أقوى، فيتقوى بأدلته دون أن يعطي قطعاً وجزماً بنتائجه.

وتنفرد النصوص الدينية ببياناتها عن أمور الغيب التي تعجز الوسائل الإنسانية عن إدراكها حساً أو استدلالاً.

ولدى اختلاف نتائج وسائل المعرفة حول فكرة واحدة، أو اختلاف نتائج الباحثين في حدود وسيلة واحدة، يجب التوقف عن الجزم والقطع، ويقضي المنهج الأمثل بمتابعة البحث في كل الوسائل الممكنة للظفر باليقين العلمي، ولا يمنع هذا من العمل في تطبيقات الحياة بمقتضى النتائج، ولكل باحث أن يعمل بما ترجح لديه، دون أن يُنحي باللائمة على من خالفه، لاحتمال أن يكون هو المخطئ لا من خالفه فيما توصل إليه، ما لم يظهر فساد الرأي المخالف بيقين، أو برجحان شبيه اليقين، وعند الظفر باليقين العلمي عن طريق أية وسيلة من وسائل المعرفة يتبين فساد كل الآراء المخالفة له، ويحكم عليها عندئذٍ بالمحو من ديوان المعرفة، وبالعزل عن مجالات النظر.

ولهذا أمثلة في الواقع العلمي، لقد سبق في تاريخ المعرفة الإنسانية أن دليل الحس البصري قدم لنا صورة حسية عن شروق الشمس وغروبها، فقرر المشاهدون المبصرون أن الشمس هي التي تتحرك وتسير في السماء من الشرق إلى الغرب، وأن الأرض ثابتة.

ثم انفتحت للإنسان دلائل الاستدلال العقلي اعتماداً على أمارات كثيرة، فغيرت نظرته إلى هذه الحقيقة، وجعلته يفسر مشاهدات الحس تفسيراً آخر، خلاصته أن الأرض هي التي تدور حول نفسها، فتشرق الشمس على قسم منها بهذا الدوران، وتغرب عن قسم آخر، ويتوهم الحس البصري أن الشمس هي التي تسير هذا السير، باعتبار اتحاد النسبة من جهة، وعدم شعور ركاب الأرض بحركتها من جهة أخرى.

وهنا نلاحظ وجود التناقض بين النتيجة التي قدمها الحس البصري

<<  <   >  >>