للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

والنتيجة الأخرى التي قدمها الاستدلال العقلي، وقام الجدل بين أنصار شهادة الحس البصري، وأنصار شهادة الاستدلال العقلي.

وكان على الإنسان أمام هذا التناقض في النتائج أن يعيد النظر لاستبانة المخطئ من الوسيلتين للظفر باليقين العلمي، نظراً إلى أن أمارات العقل لم تقدم في حدودها الأولى يقينا ً.

ولدى إعادة النظر تبين للإنسان وجود احتمال كون الحس البصري هو المخطئ، وذلك حين دخل محطة انطلاق قطارات سكة الحديد، وركب في أحدها، وكان في جواره قطار ساكن، ولما انطق القطار الذي هو فيه خدعه حسه البصري فحسب أن القطار المجاور له هو الذي انطلق، وكان هذا من الحس البصري شهادة مخطئة، ثم لما انطلق القطار بعيداً تبين له أن الحقيقة بخلاف ما حسبه من قبل.

وبهذه المراجعة الأولى بدأ الإنسان يشك بشهادة حسه البصري عن الحركة، وبدأ يترجح لديه جانب الاستدلال العقلي في هذا الموضوع، دون أن يستطيع كثير من الباحثين تقديم يقين كامل في أول الأمر يثبت أن الأرض هي التي تدور حول نفسها، وأن الشمس بالنسبة إلى هذه الحركة بالذات ثابتة.

وتابع البحث العملي خطواته، وصعد الإنسان إلى الأجواء العليا، وتحرر من سلطان خداع الحسب البصري على سطح الأرض، وتحقق بالمشاهدة البصرية النتيجة التي قدمها الاستدلال العقلي، وأثبت بيقين علمي أن الأرض هي التي تدور حول نفسها في كل يوم مرة، وبذلك تفسر ظاهرة الليل والنهار، وأنها تدور حول الشمس في كل عام شمسي، وهو السبب في كثير من الظواهر التي تحدث في الأرض.

وهكذا لما برئت شهادة الحس البصري من علة الخطأ التي كانت واقعة فيها اتحدت النتيجة، فكان ما أثبته الحس عين ما أثبته الاستدلال العقلي، ووصل الإنسان إلى معرفة هذه الحقيقة إلى مرتبة اليقين.

<<  <   >  >>