للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

والأحاديث في هذا المعنى كثيرة جدًّا.

ولكن القوم أحبوا الجهل وكرهوا العلم , واشتروا الضلالة بالهدى والغي بالبصيرة, وتفننوا في مخالفة العلم وذويه, وتقريب الجهل وترويجه, فاحتالوا واخترعوا طريقًا آخر , وجاءوا وسموه كشفًا وإلهامًا, وبذلك أرادوا القضاء عليه إطفاء نور الهداية والرشد بمنع الناس عن القرآن , وصدهم عن السنة زاعمين أن السنة منقولة من ميت عن ميت, وكشفهم وإلهامهم عن الحي الذي لا يموت, فلا حجة لها عليهم, ولهم ولكلامهم حجة عليها وعلى الخلق , وهذا ضرب من ضروب الجهل, وإغراق وانغماس فيه , ولا شك في أنه مؤامرة خطيرة ضد شريعة الله التي جاء بها محمد بن عبد الله خاتم أنبياء الله وسيد رسله صلى الله عليه وسلم وليس هناك مؤامرة أكبر وأخطر من هذه, لأنها تتضمن نسخ شريعة الله الأخيرة ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم , لأنها ما دام أوامر الرب تنزل , وأحكامه تتنزل, وإرشاداته تلهم, وتعليماته تعرف بالكشف, فلا معنى لانقطاع النبوة وختم لرسالة وكمال الدين وتمام النعمة.

ولو كان القرآن كافيًا لهداية الأمة وإرشاد الناس , لما احتيج إلى إنزال الأمور بعده.

ولو كانت السنة النبوية شافية, لما اضطر إلى تنزيل السنن الجديدة وتقنينها , وإن كانت تلك السنن سنن رسول الله لم يبينها هو - عليه السلام- لتلاميذه الراشدين وأصحابه الطيبين, فكيف أدى الأمانة وبلغ الرسالة, ولماذا شهد الله عنه {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} (١)؟

أو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبين القرآن, فاحتيج إلى أن يبينه الله بعد وفاته بواسطة صوفي أو متصوفة , فما معنى قوله إذن:

{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (٢)

وقوله تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} (٣).


(١) سورة التكوير الآية ٢٤.
(٢) سورة النحل الآية ٤٤.
(٣) سورة آل عمران الأية ١٦٤.

<<  <   >  >>