للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فدعوى الكشف والإلهام ليس إلا تعطيلا للعلم والقواعد الشرعية بدون أصول ثابتة وأسس مطردة , وكذلك نشر الفوضوية والهمجية, حيث لا يلزم أحد بشيء , ولا يطلب منه شيء لإمكان وجود الكشف والإلهام خلافه, زيادة على ذلك إمكان الإلهامات المختلفة, والمكاشفات المتناقضة المتضاربة , في وقت واحد باختلاف الأشخاص وتعدد الملهمين وأهل الكشف, لأنه لا مدخل للعقل , ولا مقام للفكر فيها كما قال الشيخ الأكبر للمتصوفة محيي الدين بن عربي في ((فتوحاته)):

" اعلم أن علومنا وعلوم أصحابنا ليست من طريق الفكر, وإنما هي من الفيض الإلهي " ... (١).

ويقول: " إن جميع ما أكتبه في تأليفي ليس هو عن رؤيَّة وفكر , وإنما هو عن نفث في رُوعي على يد ملك الإلهام " (٢).

و" جميع ما كتبته وأكتبه في هذا الكتاب إنما هو إملاء إلهي , ولقاء رباني , أو نفث رُوحاني في روح كِياني , كل ذلك بحكم الإرث للأنبياء والتبعية لهم , لا بحكم الاستقلال ... وإن ترتيب أبواب ((الفتوحات)) لم يكن عن اختيار ولا عن نظر فكري , وإنما الحق أملى علينا على لسان ملك الإلهام جميع ما نسطره , وقد نذكر كلامًا بين كلامين لا تعلق له بما قبله ولا بعده , وذلك شبيه بقوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} بين آيات طلاق ونكاح وعدة وفاة تتقدمها وتتأخرها.

وإن العارفين إنما كانوا لا يتقيدون بالكلام على ما بوبوا عليه فقط , لأن قلوبهم عاكفة على باب الحضرة الإلهية مراقبة لما يبرز منها, فمهما برز لها أمر بادرت لامتثاله, وألفته على حسب ما حد لها, فقد تلقى الشيء إلى ما ليس من جنسه امتثالا لأمر ربها " (٣).


(١) ((الفتوحات المكية)) لابن عربي ,الباب السابع والأربعون نقلا عن كتاب ((الكبريت الأحمر في بيان علوم الشيخ الأكبر)) للشعراني ج١ ص٥ بهامش ((اليواقيت والجواهر)).
(٢) ((الفتوحات المكية)) لابن عربي , الباب السادس والسون وثلاثمائة.
(٣) ((الفتوحات المكية)) لابن عربي من أبواب شتى نقلا عن كتاب ((اليواقيت والجواهر)) للشعراني ص٨.

<<  <   >  >>