قَدْ وُضِعَ عَنْهُمُ الْجِهَادُ وَالنَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلامُ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ مَا افْتُرِضَ الْجِهَادُ، وَقُبِلَ مِنْهُمْ أَنْ يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَلا يُجَاهِدُوا، ثُمَّ أُذِنَ لَهُمْ فِي الْقِتَالِ حِينَ أَخْرَجَهُمْ أَهْلُ مَكَّةَ، فَقَالَ: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ
ظُلِمُوا} [الحج: ٣٩] فَلَمَّا أُمِرُوا بِالْجِهَادِ كَرِهَ قَوْمٌ الْقِتَالَ، فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ} [النساء: ٧٧] وَأَنْزَلَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ
لا يُفْتَنُونَ} [العنكبوت: ٢] لا يُبْتَلُونَ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: يُبْتَلُونَ فِي إِيمَانِهِمْ.
{وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [العنكبوت: ٣] ، يَعْنِي: ابْتَلَيْنَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ.
{فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا} [العنكبوت: ٣] بِمَا أَظْهَرُوا مِنَ الإِيمَانِ.
{وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: ٣] الَّذِينَ أَظْهَرُوا الإِيمَانَ وَقُلُوبُهُمْ عَلَى الْكُفْرِ، وَهُمُ الْمُنَافِقُونَ، وَهَذَا عِلْمُ الْفِعَالِ.
الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: وَاللَّهِ مَا قَالَ عَبْدٌ فِي هَذَا الدِّينِ مِنْ قَوْلٍ إِلا وَعَلَى قَوْلِهِ دَلِيلٌ مِنْ عَمَلِهِ يُصَدِّقُهُ أَوْ يُكَذِّبُهُ.
قَالَ: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ} [العنكبوت: ٤] وَالسَّيِّئَاتُ هَاهُنَا الشِّرْكُ.
{أَنْ يَسْبِقُونَا} [العنكبوت: ٤] حَتَّى لا نَقْدِرَ عَلَيْهِمْ فَنُعَذِّبُهُمْ، أَيْ: قَدْ حَسِبُوا ذَلِكَ وَلَيْسَ كَمَا ظَنُّوا.
قَالَ: {سَاءَ مَا} [العنكبوت: ٤] بِئْسَ مَا.
{يَحْكُمُونَ} [العنكبوت: ٤] أَنْ يَظُنُّوا أَنَّ اللَّهَ خَلَقَهُمْ ثُمَّ لا يَبْعَثُهُمْ فَيَجْزِيهِمْ