للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أنا ابْنُ الْفَضْلِ , أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرَسْتُوَيْهِ , نا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ , نا الْحَجَّاجُ , وَهُوَ ابْنُ مِنْهَالٍ , نا حَمَّادٌ , أنا أَيُّوبُ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ , عَنْ عُبَيْدَةَ , عَنْ عَلِيٍّ , قَالَ: «اجْتَمَعَ رَأْيِي وَرَأْيُ عُمَرَ عَلَى أَنَّ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ لَا يُبَعْنَ» , قَالَ: «ثُمَّ ⦗١٢٥⦘ رَأَيْتُ بَعْدُ أَنْ تُبَاعَ فِي دَيْنِ سَيِّدِهَا , وَأَنْ تُعْتَقَ مِنْ نَصِيبِ وَلَدِهَا» , فَقُلْتُ: رَأْيُكَ وَرَأْيُ الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ رَأْيِكَ فِي الْفُرْقَةِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلِيٌّ عَلَى عُبَيْدَةَ هَذَا الْقَوْلَ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَمَّا احْتُجَّ بِهِ مِنَ الْعِلْمِ بِإِصَابَتِهِ , وَالْقَطْعِ عَلَى خَطَأِ مُخَالِفِهِ وَتَأْثِيمِهِ , وَمَنْعِهِ مِنَ الْحُكْمِ بِاجْتِهَادِهِ , ونَقْضِ حُكْمِهِ , وَمَنْعِ الْعَامِّي مِنْ تَقْلِيدِهِ فَهُوَ: أَنَّا نَعْلَمُ إِصَابَتَنَا لِلْحَقِّ , وَنَقْطَعُ بِخَطَأِ مَنْ خَالَفَنَا فِيهِ , وَنَمْنَعُهُ مِنَ الْحُكْمِ بِاجْتِهَادِهِ الْمُخَالِفِ لِلْحَقِّ فَأَمَّا عِلْمُنَا بِإِصَابَتِنَا لِلْحَقِّ فَهُوَ: لِأَنَّ أَحَدَ الْحُكْمَيْنِ يَتَمَيَّزُ عَنِ الْآخَرِ بِالتَّأْثِيرِ الْمُوجِبِ لِلْعِلْمِ , أَوْ بِكَثْرَةِ الْأُصُولِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلظَّنِ , وَتَمَيُّزِ أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ عَنِ الْآخَرِ مَعْلُومٌ لِلْمُجْتَهِدِ , فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَتِ الْإِصَابَةُ مَعْلُومَةً , وَإِذَا عُلِمَتِ الْإِصَابَةُ , فَقَدْ عُلِمَ خَطَأُ مَنْ خَالَفَهَا وَأَمَّا التَّأْثِيمُ , فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِالْعَفْوِ عَنْهُ , وَإِثَابَتِهِ عَلَى قَصْدِهِ وَنِيَّتِهِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ , وَالْعَفْوِ وَالتَّأْثِيمِ طَرِيقُهُ الشَّرْعُ , وَقَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِالْعَفْوِ عَنْ خَطَئِهِ كَمَا وَرَدَ بِالْعَفْوِ عَنِ الْخَاطِئِ وَالنَّاسِي ⦗١٢٦⦘ وَالْمُكْرَهِ , يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ} إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء: ٧٩] فَأَثْنَى عَلَيْهِمَا جَمِيعًا , وَأَخْبَرَ بِإِصَابَةِ سُلَيْمَانَ , وَلَمْ يُؤَثِّمْ دَاوُدَ , وَكَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَخْطَأَ , فَلَهُ أَجْرٌ فَجَعَلَ لَهُ أَجْرَ اجْتِهَادِهِ , وَلَمْ يُؤَثِّمْهُ مَعَ خَطَئِهِ وَأَمَّا مَنْعُهُ مِنَ الْعَمَلِ بِمَا أَدَّى اجْتِهَادُهُ إِلَيْهِ , فَلَا شَكَّ فِيهِ , لَأَنَّا نَقُولُ: إِذَا عُمِلَ بِهِ فَهُوَ فَاسِدٌ , وَلِهَذَا نَقُولُ: إِذَا تَزَوَّجَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ: إِنَّهُ نِكَاحٌ فَاسِدٌ , وَإِذَا شَرِبَ النَّبِيذَ: إِنَّهُ شَرِبَ حَرَامًا , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَأَمَّا حُكْمُ الْحَاكِمِ , فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا لِنَصٍّ , أَوْ إِجْمَاعٍ , أَوْ قِيَاسٍ مَعْلُومٍ , وَالْمَنْعُ مِنْ نَقْضِهِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ , لِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ مَمْنُوعًا مِنَ الْحُكْمِ , فَإِذَا حَكَمَ بِهِ وَقَعَ مَوْقِعَ الصَّحِيحِ الْجَائِزِ , كَمَا نَقُولُ فِي الْبَيْعِ فِي حَالِ النِّدَاءِ لِلْجُمُعَةِ , وَالصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ , وَالطَّلَاقِ فِي حَالِ الْحَيْضِ فَإِنْ قِيلَ: مِثْلُ هَذَا لَا يَمْتَنِعُ لَكِنْ مَا الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ؟ فَالْجَوَابُ عَنْهُ: أَنَّ الدَّلِيلَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ إِجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَا ⦗١٢٧⦘ يَجُوزُ نَقْضُهُ , وَلِأَنَّ فِي نَقْضِ الْحُكْمِ فَسَادًا لِكَوْنِهِ ذَرِيعَةً إِلَى تَسْلِيطِ الْحُكَّامِ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ , فَلَا يَشَاءُ حَاكِمٌ يَكُونُ فِي قَلْبِهِ مِنْ حَاكِمٍ شَيْءٌ إِلَّا تَعَقَّبَ حُكْمَهُ بِنَقْضٍ فَلَا يَسْتَقِرُّ حُكْمٌ , وَلَا يَصِحُّ لِأَحَدٍ مُلْكٌ , وَفِي ذَلِكَ فَسَادٌ عَظِيمٌ , وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ , ثَبَتَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ هَذَيْنِ الطَّرِيقَتَيْنِ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ تَقْلِيدِ الْعَامِّيِّ , فَهُوَ: أَنَّ فَرْضَهُ تَقْلِيدُ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ , وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ: فَرْضُهُ اتِّبَاعُ عَالِمِهِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ عَالِمُهُ مُصِيبًا , كَمَا يَتَّبِعُ عَالِمَهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ مُخَالِفًا لِلنَّصِّ وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْعَامِّيَّ يُقَلِّدُ أَوْثَقَ الْمُجْتَهِدِينَ فِي نَفْسِهِ , وَلَا يُكَلَّفُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ , لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ لَهُ إِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ , وَالْوُقُوفِ عَلَى طَرِيقِهِ , وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ يَقِينُهُ بِمَا أَدَّى إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُ , فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إِلَى حِيرَةِ الْعَامِّيِّ , فَجَعَلَ لَهُ أَنْ يُقَلِّدَ أَوْثَقَهُمَا فِي نَفْسِهِ , وَيُخَالِفَ الْمُجْتَهِدَ , لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ مُوَافَقَتِهِ عَلَى طَرِيقِ الْحَقِّ وَمُنَاظَرَتِهِ فِيهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>