فَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَافِعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ،: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: ٦٠]
⦗٥٠٨⦘ قَالَ: «الْفُقَرَاءُ الَّذِينَ بِهِمْ زَمَانَةٌ وَالْمَسَاكِينُ الْأَصِحَّاءُ الْمُحْتَاجُونَ» فَهَذَا قَوْلٌ فِي الْفَرَقِ بَيْنَ الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ وَقَالَ الضَّحَّاكُ: «الْفُقَرَاءُ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ وَالْمَسَاكِينُ مَنْ لَمْ يُهَاجِرْ» وَقَالَ عِكْرِمَةُ: «الْفُقَرَاءُ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَسَاكِينُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ: «الْمَسَاكِينُ الَّذِينَ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْخُضُوعُ وَالْفُقَرَاءُ الَّذِينَ يَتَجَمَّلُونَ وَيَأْخُذُونَ فِي السِّرِّ» قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: «الْمِسْكِينُ الَّذِي لَا شَيْءَ لَهُ وَالْفَقِيرُ الَّذِي لَهُ الْمَسْكَنُ وَالْخَادِمُ» فَهَذِهِ ⦗٥٠٩⦘ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ قَالُوا: الْمِسْكِينُ الَّذِي لَهُ شَيْءَ وَالْفَقِيرُ الَّذِي لَا شَيْءَ لَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: «الْفَقِرُاء وَاللَّهُ أَعْلَمُ مَنْ لَا مَالٌ لَهُمْ وَلَا حِرْفَةَ تَقَعُ مِنْهُ مَوْقِعًا زَمِنًا كَانَ أَوْ غَيْرَ زَمِنٍ سَائِلًا كَانَ أَوْ مُتَعَفِّفًا، وَالْمِسَاْكِينُ مَنْ لَهُ مَالٌ أَوْ حِرْفَةٌ لَا تَقَعُ مِنْهُ مَوْقِعًا وَلَا تُغْنِيهِ سَائِلًا كَانَ أَوْ غَيْرَ سَائِلٍ» فَهَذِهِ سِتَّةُ أَقْوَالٍ، وَقَالَ: أَبُو ثَوْرٍ الْفَقِيرُ الَّذِي لَهُ شَيْءٌ وَالْمِسْكِينُ الَّذِي لَا يُصِيبُ مِنْ كَسْبِهِ مَا يَقُوتُهُ وَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ مِنْهُمْ يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي جَمَاعَةٍ مَعَهُ الْمِسْكِينُ الَّذِي لَا شَيْءَ لَهُ وَالْفَقِيرُ الَّذِي لَهُ شَيْءٌ لَا يَكْفِيهُ، قَالَ يُونُسُ: قُلْتُ لِأَعْرَابِيٍّ أَفَقِيرٌ أَنْتَ؟ فَقَالَ: لَا بَلْ مِسْكِينٌ وَأَنْشَدَ أَهْلُ اللُّغَةِ:
[البحر البسيط]
أَمَّا الْفَقِيرُ الَّذِي كَانَتْ حَلُوبَتُهُ ... وِفْقَ الْعِيَالِ فَلَمْ يُتْرَكْ لَهُ سَبَدُ
⦗٥١٠⦘
وَمِنْ أَجْلِ مَا رُوِيَ فِيهِ، مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ، ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «الْمَسَاكِينُ الطَّوَّافُونَ وَالْفُقَرَاءُ فُقَرَاءُ الْمُسْلِمِينَ» وَأَكْثَرُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ قَالَ مُجَاهِدٌ، وَالْحَسَنُ، وَالزُّهْرِيُّ، وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَعِكْرِمَةُ، وَالضَّحَّاكُ فِي اخْتِلَافٍ عَنْهُمَا: الْمِسْكِينُ السَّائِلُ وَالْفَقِيرُ الَّذِي لَا يَسْأَلُ فَهَذِهِ تِسْعَةُ أَقْوَالٍ، وَمِنْ أَهْلِ النَّظَرِ مَنْ يَقُولُ الْفَقِيرُ هُوَ الْفَقِيرُ إِلَى الشَّيْءِ وَإِنْ كَانَ يَمْلِكُ مَالًا فَقَدْ يَكُونُ غَائِبًا عَنْهُ وَيَكُونُ فَقِيرًا إِلَى أَخْذِ الصَّدَقَةِ وَالْمِسْكِينُ الَّذِي عَلَيْهِ الْخُضُوعُ وَالذِّلَّةُ وَالْقَوْلُ الْحَادِي عَشَرَ: أَنَّ الْفَقِيرَ هُوَ الَّذِي يُعْطَى لِفَقْرِهِ فَقَطْ وَالْمِسْكِينُ الَّذِي يَكُونُ عَلَيْهِ مَعَ فَقْرِهِ خُضُوعُ وَذِلَّةُ السُّؤَالِ، وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ يَذْهَبُ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَذْكُرْ كَثِيرًا مِمَّا ذَكَرْنَاهُ وَهُوَ قَوْلٌ حَسَنٌ وَهُوَ مُسْتَخْرَجٌ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْجَمَاعَةِ الَّذِينَ ذَكَرْنَاهُمْ مَعَهُ لِأَنَّ الْمِسْكِينَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْمَسْكَنَةِ وَهِيَ الْخُضُوعُ وَالذِّلَّةُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ} [البقرة: ٦١]
⦗٥١١⦘ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: هَذِهِ الْأَقْوَالُ وَإِنْ كَثُرَتْ فَإِذَا جَمَعْتَ بَعْضَهَا إِلَى بَعْضٍ وَنَظَرْتَ فِيهَا قَرُبَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ الْمِسْكِينُ كَذَا وَالْفَقِيرُ كَذَا لَمْ يَقُلْ إِنَّهُ لَا يُقَالُ لِغَيْرِهِ مِسْكِينٌ وَلَا فَقِيرٌ وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِيمَا رُوِيَ عَنْهُ «إِذَا أَوْصَى رَجُلٌ بِشَيْءٍ لِلْفُقَرَاءِ جَازَ أَنْ يُدْفَعَ إِلَى الْمَسَاكِينِ وَإِذَا أَوْصَى بِشَيْءٍ إِلَى الْمَسَاكِينِ جَازَ أَنْ يُدْفَعَ إِلَى الْفُقَرَاءِ وَإِذَا أَوْصَى لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُدْفَعَ إِلَى أَحَدِهِمَا» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَلَمَّا اجْتَمَعَتْ هَذِهِ الْأَقْوَالُ وَقَدْ قُلْنَا إِنَّ بَعْضَهَا يَقْرَبُ مِنْ بَعْضٍ وَجَبَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى مَا هُوَ أجْمَعَهَا وَهُوَ أَنَّ الْمِسْكِينَ هُوَ الَّذِي يَسْأَلُ النَّاسَ وَالْفَقِيرُ الَّذِي لَا يَسْأَلُ وَلَا سِيَّمَا وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنَ الصَّحَابَةِ فِيهِ ثُمَّ تَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ الَّذِينَ يُرْجَعُ إِلَى قَوْلِهِمْ فِي تَفْسِيرِ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَيْضًا فَإِنَّ الْأَسْمَاءَ إِنَّمَا يُرْجَعُ فِيهَا إِلَى التَّعَارُفِ، وَالتَّعَارُفُ بَيْنَ النَّاسِ إِذَا قِيلَ ادْفَعْ هَذَا إِلَى الْمَسَاكِينِ أَنَّهُمُ الَّذِينَ يَسْأَلُونَ وَإِذَا قِيلَ ادْفَعْ هَذَا إِلَى الْفُقَرَاءِ فَهُمُ الَّذِينَ لَا يَسْأَلُونَ وَقَدْ دَلَّ عَلَى هَذَا كِتَابُ اللَّهِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَسَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ سُلَيْمَانَ يَقُولُ مُحْتَجًّا لِأَهْلِ اللُّغَةِ ⦗٥١٢⦘ لِأَنَّهُمْ أَعْلَمُ بِالْأَسْمَاءِ وَبِمَوْضُوعَاتِهَا، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمِسْكِينَ الَّذِي لَا شَيْءَ لَهُ قَالَ وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ السُّكُونِ وَالسُّكُونِ ذَهَابُ الْحَرَكَةِ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهَا شَيْءٌ وَهَذِهِ صِفَةُ مَنْ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْفَقِيرَ هُوَ الَّذِي يَمْلِكُ شَيْئًا أَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ قَوْلِهِمْ فَقَرْتُهُ أَيْ كَسَرْتُ فِقَارَهُ فَهَذَا قَدْ بَقِيَ لَهُ شَيْءٌ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} [الكهف: ٧٩] فَإِذَا صَحَّ أَنَّ الْمِسْكِينَ هُوَ الَّذِي لَا شَيْءَ لَهُ فَالْكَلَامُ عَلَى هَذَا سَهْلٌ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُنْسَبَ إِلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْمَلُونَ فِيهَا كَمَا يُقَالُ قَصَدْتُ فُلَانًا فِي دَارِهِ وَإِنْ كَانَ مُكْتَرِيًا لَهَا وَكَمَا يُقَالُ سَرْجُ الدَّابَّةِ وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نُسِبُوا إِلَى الْمَسْكَنَةِ وَهِيَ الْخُضُوعُ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا مِسْكِينَةُ عَلَيْكِ السَّكِينَةُ» وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مِسْكِينٌ مِسْكِينٌ مَنْ لَا امْرَأَةَ لَهُ وَمِسْكِينَةٌ مِسْكِينَةٌ مَنْ لَا زَوْجَ لَهَا» ⦗٥١٣⦘ فَإِنْ قِيلَ فَمَا مَعْنَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute