كَمَا حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِي تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَنِ الْمِسْكِينُ؟ قَالَ: «الَّذِيُ لَا يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ وَلَا يُفْطَنُ لَهُ فَيُعْطَى وَلَا يَقُومُ فَيَسْأَلُ النَّاسَ» فَقِيلَ: مَعْنَى هَذَا أَنَّ الَّذِيَ يَسْأَلُ يَجِيئُهُ الشَّيْءُ بَعْدَ الشَّيْءِ وَقِيلَ الْمَعْنَى لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِي فِي نِهَايَةِ الْمَسْكَنَةِ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يَدُلُّ عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي اخْتَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْمِسْكِينَ السَّائِلَ وَيَكُونُ الْمَعْنَى لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِي تَعُدُّونَهُ فِيكُمْ مِسْكِينًا هَذَا كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ إِنَّمَا الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ» وَلِهَذَا نَظَائِرُ مِنْهَا: قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّمَا الْمَحْرُوبُ مَنْ حُرِبَ ⦗٥١٤⦘ دِينَهُ» أَيِ الْمَحْرُوبُ عَلَى الْحَقِيقَةِ هُوَ هَذَا وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مَا تَعُدُّونَ الرَّقُوبَ فِيكُمْ؟» قَالُوا: الَّذِي لَا يَعِيشُ لَهُ وَلَدٌ، قَالَ: «بَلِ الرَّقُوبُ الَّذِي لَمْ يَمُتْ لَهُ وَلَدٌ» أَيْ هَذَا الَّذِي لَمْ يَمُتْ لَهُ وَلَدٌ هُوَ أَوْلَى بِهَذَا الِاسْمِ أَيْ أَوْلَى بِأَنْ يَكُونَ قَدْ لَحِقْتُهُ الْمُصِيبَةُ وَاخْتَلَفُوا مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ فِي قَسْمِ الزَّكَوَاتِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: فِي أَيِّ صِنْفٍ قَسَّمَتْهَا مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ جَزَى عَنْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: بَلْ يُقْسَمُ فِي الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ كَمَا سَمَّاهَا اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يُقْسَمُ عَلَى سِتَّةٍ يَسْقُطُ مِنْهَا سَهْمُ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا كَانُوا فِي وَقْتِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَسَهْمُ الْعَامِلِينَ إِذَا فَرَّقَ الْإِنْسَانُ زَكَاتَهُ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ يُرْوَى عَنْ ثَلَاثَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ عُمَرَ وحُذَيْفَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ إِنَّ الصَّدَقَاتِ جَائِزٌ أَنْ تُدْفَعَ إِلَى بَعْضِ هَذِهِ الْأَصْنَافِ دُونَ بَعْضٍ ⦗٥١٥⦘ وَلَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ خِلَافٌ لِهَذَا وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعَطَاءٍ، وَإِبْرَاهِيمَ، وَأَبِي الْعَالِيَةِ، وَمَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ وَالْقَوْلُ بِأَنَّهَا تُقْسَمُ فِيمَنْ سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَحُجَّتُهُ ظَاهِرُ الْآيَةِ وَأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ إِذَا أَوْصَى رَجُلٌ لِجَمَاعَةٍ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُمْ أَحَدٌ وَحُجَّةُ مَنْ ذَكَرْنَا غَيْرَهُ أَنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِلْوَصِيَّةِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا يَجُوزُ أَنْ تُقْسَمَ إِلَّا فِيمَنْ سُمِّيَتْ لَهُ فَإِنْ فُقِدَ بَعْضُهُمْ لَمْ يَرْجِعْ سَهْمُهُ إِلَى مَنْ بَقِيَ، وَقَدْ ⦗٥١٦⦘ أَجْمَعَ الْجَمِيعُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا فُقِدَ مَنْ ذُكِرَ فِي الْآيَةِ رَجَعَ سَهْمُهُ إِلَى مَنْ بَقِيَ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَلَا يُوصَلُ إِلَى أَنْ يَعُمَّ كُلَّ مَنْ ذُكِرَ فِي الْآيَةِ لِأَنَّ الْفُقَرَاءَ وَالْمَسَاكِينَ لَا يُحَاطُ بِهِمْ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ قَالَ لِسَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ حِينَ وَطِئَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ نَهَارًا: «أَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا، فَقَالَ مَا بِتْنَا لَيْلَتَنَا إِلَّا وَحْشًا لَا نَصِلُ إِلَى شَيْءٍ، فَقَالَ امْضِ إِلَى بَنِي زُرَيْقٍ فَخُذْ صَدَقَتَهُمْ فَتَصَدَّقْ بِوَسْقٍ عَلَى سِتِّينَ مِسْكِينًا وَكُلْ أَنْتَ وَعِيَالُكَ مَا بَقِيَ» فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَةَ هَذِهِ الْقَبِيلَةِ وَلَمْ يَقْسِمْهَا عَلَى ثَمَانِيَةٍ "، فَلَمَّا احْتَمَلَ قَوْلُهُ {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: ٦٠] الْآيَةَ أَنْ يُقْسَمَ عَلَى هَذَا وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى يُقْسَمُ فِي هَذَا الْجِنْسِ وَلَا يَخْرُجُ عَنْهُمْ ثُمَّ جَاءَ عَنْ ثَلَاثَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَحَدُ الْمَعْنِيِّينَ كَانَ أَوْلَى مَعَ حُجَّةِ مَنْ ذَكَرْنَاهُ وَأَمَّا {الْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} [التوبة: ٦٠] قَالَ الزُّهْرِيُّ: «هُمُ السُّعَاةُ» قَالَ الْحَسَنُ «يُعْطَوْنَ بِمِقْدَارِ عَمَلِهِمْ» وَقَالَ مُجَاهِدٌ، وَالضَّحَّاكُ «لَهُمُ الثَّمَنُ» ⦗٥١٧⦘ فَأَمَّا وَالْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ عَلَى ضَرْبَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُمْ قَوْمٌ أَسْلَمُوا وَلَمْ يَكُنْ إِسْلَامُهُمْ قَوِيًّا فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَمِيلَهُمْ وَيُعْطِيَهُمْ مِنَ الصَّدَقَاتِ وَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ وَالضِّرْبُ الْآخَرُ قَوْمٌ فِي نَاحِيَتِهِمْ عَدُوٌّ قَدْ كَفُوا الْمُسْلِمِينَ مَؤُونَتَهُ فَيُعَانُونَ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ وَأَمَّا {وَفِي الرِّقَابِ} [التوبة: ٦٠] فَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُمُ الْمُكَاتَبُونَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، وَالْحَسَنِ، وَابْنِ زَيْدٍ، وَالشَّافِعِيِّ وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَقُولُ يَجُوزُ أَنْ يُعْتِقَ مِنَ الزَّكَاةِ لِعُمُومِ الْآيَةِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَمَّا {وَالْغَارِمِينَ} [التوبة: ٦٠] فَهُمْ عَلَى ضَرْبَيْنِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَحَدُهُمَا أَنْ يُدَانَ الرَّجُلُ فِي مَصْلَحَةِ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ مَعْصِيَةٍ فَيُقْضَى دَيْنُهُ وَالْآخَرُ أَنْ يُدَانَ الرَّجُلُ فِي حَمَّالَاتٍ وَفِي مَعْرُوفٍ وَفِيمَا فِيهِ صَلَاحٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَيُقْضَى دَيْنُهُ ⦗٥١٨⦘، وَأَمَّا وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ يَقُولُ لِلْغُزَاةِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُجِيزُ أَنْ يُعْطَى فِي الْحَجِّ وَهُوَ قَوْلُ الْكُوفِيِّينَ وَأَمَّا {وَابْنُ السَّبِيلِ} [البقرة: ١٧٧] فَهُوَ الْمُنْقَطِعُ بِهِ الَّذِي لَيْسَ بِبَلَدِهِ يُعْطَى مَا يَتَحَمَّلُ بِهِ وَإِنْ كَانَ لَهُ فِي بَلَدِهِ مَالٌ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَفِي هَذِهِ، الْآيَةُ أَيْضًا مَا قَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُوَ مِنْ سَبِيلِهِ أَنْ يُعْطَى مِنَ الزَّكَاةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute