للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٧٨٥ - حَدَّثَنَا أَبُو قُدَامَةَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، ثنا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ الْمَازِنِيِّ، عَنْ عَمِّهِ، أَنَّ النَّاسَ، سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْوَسْوَسَةِ الَّتِي يَجِدُهَا أَحَدُهُمْ لَأَنْ يَسْقُطَ مِنْ عِنْدِ الثُّرَيَّا أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ذَاكَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْتِي الْعَبْدَ فِيمَا دُونَ ⦗٧٢٦⦘ ذَلِكَ فَإِذَا عَصَمَ مِنْهُ وَقَعَ فِيمَا هُنَالِكَ» قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: لَيْسَ يَعْنِي أَنَّ الْوَسْوَسَةَ فِي نَفْسِهَا هِيَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ، إِنَّمَا يَعْنِي مَا أَظْهَرُوا لَهُ مِنَ الْكَرَاهَةِ عَنِ الْخَوْفِ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، إِذِ اخْتَارُوا لِأَنْ يَخِرُّوا مِنَ السَّمَاءِ عَلَى أَنْ يَتَكَلَّمُوا بِهِ وَلَا تَطِيبُ نَفْسُ أَحَدٍ بِأَنْ تَخِرَّ مِنَ السَّمَاءِ وَأَنْ تَصِيرَ حُمَمَةً إِلَّا مِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ، فَذَلِكَ الْخَوْفُ هُوَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ، لِأَنَّهُ إِذَا وَجَدَ الْوَسْوَسَةَ مِنْ طَرِيقِ الشِّرْكِ نَظَرَ إِلَى مَا أَعَدَّ اللَّهُ لِأَهْلِ الشِّرْكِ مِنَ الْعَذَابِ، وَطَابَتْ نَفْسُهُ أَنْ تَكُونَ حُمَمَةً لِأَنَّ مَنْ نَظَرَ إِلَى شَيْءٍ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ بِالْيَقِينِ كَانَ مَا دُونَهُ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَأَخَفُّ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَيُقَالُ لَهُمْ: أَمَّا قَوْلُكُمْ إِنَّ الْخَوْفَ عَلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا يَقِينٌ، وَالْآخَرُ شَكٌّ، وَكَذَلِكَ الرَّجَاءُ، وَمَا كَانَ مِنْهُ يَقِينٌ فَهُوَ إِقْرَارٌ وَتَصْدِيقٌ، وَمَا كَانَ مِنْهُ شَكٌّ فَهُوَ طَاعَةٌ لَا إِيمَانَ فَقَدْ أَخْطَأْتُمْ عَلَى اللُّغَةِ أَيْنَ وَجَدْتُمُ الْخَوْفَ إِقْرَارًا فِي لُغَةٍ أَوْ تَصْدِيقًا؟ فَأَمَّا قَوْلُكُمْ: يَقِينٌ فَلَعَمْرِي إِنَّ الْيَقِينَ يُوجِبُ الْخَوْفَ، وَإِنَّ الْخَوْفَ الَّذِي هُوَ شَكٌّ مَا أَوْجَبَهُ إِلَّا الْيَقِينُ ⦗٧٢٧⦘ لَوْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِأَنَّ اللَّهَ حَقٌّ وَأَنَّ لَهُ عَذَابًا يُعَذِّبُ بِهِ مَنْ عَصَاهُ، مَا خَافُوهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمُ فَإِنَّمَا أَوْجَبَ هَذَا الْيَقِينَ بِمَا يَخَافُ، وَكَذَلِكَ الرَّجَاءُ. فَأَمَّا قَوْلُهُ: {يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ} [الأنعام: ٥١] فَقَدْ أَيْقَنُوا بِالْحَشْرِ لَكِنَّهُمْ يَخَافُونَ مَا يَقَعُ فِي الْحَشْرِ فَخَوْفُهُمْ عَنْ يَقِينِ، وَلِذَلِكَ يَرْجُونَ لِقَاءَ رَبِّهِمْ عَنْ يَقِينِ، إِنَّمَا يَرْجُونَ أَنْ يَرْحَمَهُمْ عِنْدَ لِقَائِهِ لَا أَنَّ الْخَوْفَ فِي نَفْسِهِ يَقِينٌ، وَلَا أَنَّ الرَّجَاءَ يَقِينٌ، وَلَكِنَّهَا عَنْ يَقِينِ فَإِنْ سَمَّيْتُمُوهَا إِيمَانًا فَكَذَلِكَ كُلُّ خَوْفٍ وَرَجَاءٍ عَنْ يَقِينِ فَهُوَ إِيمَانٌ، وَلَوْ جَازَ مَا قُلْتُمْ لَجَازَ أَنْ يَكُونَ أَهْلُ النَّارِ يَخَافُونَ النَّارَ، وَهُمْ فِيهَا لِأَنَّهُمْ قَدْ أَيْقَنُوا بِالْعَذَابِ أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ بِهِمْ، وَكَذَلِكَ أَهْلُ الْجَنَّةِ يَرْجُونَ الْجَنَّةَ وَهُمْ فِيهَا وَهَذَا خَطَأٌ فِي الْمَعْقُولِ وَاللُّغَةِ إِذَا وَقَعَ الْعَذَابُ زَالَ الْخَوْفُ، وَإِذَا وَقَعَ الظَّفَرُ زَالَ الرَّجَاءُ. لَوْ قَالَ قَائِلٌ: إِنِّي قَدْ أَرْجُو أَنْ يُنْجِزَ اللَّهُ وَعْدَهُ لَا يَذْهَبُ فِي ذَلِكَ إِلَى تَقْصِيرٍ مِنْ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ إِنْ ذَهَبَ إِلَى تَقْصِيرٍ مِنْ نَفْسِهِ مِنْ أَجْلِ ذُنُوبِهِ وَقَعَ الشَّكُّ لِأَنَّهُ لَا يُسَاهِلُ الْوَعْدَ، وَإِنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ يَرْجُو أَنَّ اللَّهَ يَفِي بِمَا قَالَ وَوَعَدَ فَقَدْ ذَهَبَ إِلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ قَائِلٌ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُعَذِّبَ اللَّهُ فِرْعَوْنَ ⦗٧٢٨⦘، وَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُدْخِلَ اللَّهُ مُحَمَّدًا الْجَنَّةَ لَكَانَ هَذَا حُمْقًا، يَسْتَعْمِلُ الْخَوْفَ فِيمَا قَدْ أَخْبَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ فَاعِلُهُ لَا مَحَالَةَ، وَكَذَلِكَ الرَّجَاءُ وَقَدْ بَيَّنَ أَنَّ الْخَوْفَ وَالرَّجَاءَ اللَّذَيْنِ سَمَّيْتُمُوهُمَا إِيمَانًا لَيْسَا يَقِينًا، وَلَكِنَّهُمَا إِشْفَاقٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَمَلٌ يَبْعَثَانِ عَلَى طَاعَتِهِ، وَيُزْعِجَانِ عَنْ مَعْصِيَتِهِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ إِشْفَاقٍ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَمَلٍ لَهُ يَبْعَثَانِ عَلَى الطَّاعَةِ وَيُزْعِجَانِ عَنِ الْمَعْصِيَةِ لَا فُرْقَانَ بَيْنَ ذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>