٧٨٦ - حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ عَاصِمٍ الْأَنْطَاكِيَّ، يَقُولُ: «مَنْ كَانَ بِاللَّهِ أَعْرَفَ كَانَ مِنَ اللَّهِ أَخْوَفَ» ، قَالَ أَحْمَدُ: صَدَقَ وَاللَّهِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَيُقَالُ لَهُمْ أَخْبِرُونَا عَنِ الْحُبِّ لِلَّهِ إِيمَانٌ هُوَ؟ فَإِنْ قَالُوا: لَا، قِيلَ لَهُمْ: فَمَا ضِدُّ الْحُبِّ؟ فَإِنْ قَالُوا: الْبُغْضُ، وَلَابُدَّ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ، قِيلَ لَهُمْ: فَالْبُغْضُ لِلَّهِ إِذًا لَيْسَ بِكُفْرٍ لِأَنَّ الْكُفْرَ ضِدُّ الْإِيمَانِ، وَمَا لَيْسَ بِكُفْرٍ لَيْسَ ضِدُّهُ إِيمَانًا لِأَنَّ اسْمَ ⦗٧٢٩⦘ الطَّاعَةِ عِنْدَكُمْ يَجْمَعُ الْأَعْمَالَ كُلَّهَا الْمُفْتَرَضَةَ وَغَيْرِهَا فَاسْمُ الْإِيمَانِ طَاعَةٌ، وَضِدُّهُ مَعْصِيَةُ كُفْرٍ وَالْفَرَائِضُ طَاعَةٌ وَضِدُّهَا مَعْصِيَةٌ لَا كُفْرٌ، وَالنَّوَافِلُ طَاعَةٌ وَضِدُّهَا نَقْصٌ لَا مَعْصِيَةٌ وَلَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ، قِيلَ لَهُمْ: فَالْبُغْضُ لِلَّهِ إِذًا لَيْسَ بِكُفْرٍ لِأَنَّ الْكُفْرَ ضِدُّ الْإِيمَانِ، وَمَا لَيْسَ بِكُفْرٍ لَيْسَ ضِدُّهُ إِيمَانًا لِأَنَّ اسْمَ الطَّاعَةِ عِنْدَكُمْ يَجْمَعُ الْأَعْمَالَ كُلَّهَا الْمُفْتَرَضَةَ وَغَيْرِهَا فَاسْمُ الْإِيمَانِ طَاعَةٌ، وَضِدُّهُ مَعْصِيَةُ كُفْرٍ وَالْفَرَائِضُ طَاعَةٌ وَضِدُّهَا مَعْصِيَةٌ لَا كُفْرٌ، وَالنَّوَافِلُ طَاعَةٌ وَضِدُّهَا نَقْصٌ لَا مَعْصِيَةٌ وَلَا كُفْرٌ، فَإِذَا كَانَ الْحَبُّ طَاعَةً لَا إِيمَانًا فَالْبُغْضُ لِلَّهِ مَعْصِيَةٌ لَا كُفْرٌ. فَإِنْ قَالُوا: لَيْسَ بُغْضُ اللَّهِ كُفْرًا فَقَدْ خَرَجُوا مِنْ قَوْلِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَزَعَمُوا أَنَّ مَنْ أَبْغَضَ اللَّهَ كَانَ مُؤْمِنًا فَكُلُّ مُؤْمِنٍ وَإِنْ أَصَابَ الْمَعَاصِي فَهُمْ يَرْجُونَ لَهُ الْعَفْوَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالرَّحْمَةَ فَمَنْ أَبْغَضَ لِلَّهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ يَرْجُونَ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ جَنَّتَهُ وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: ٥٤] فَأَخْبَرَ أَنَّ أَوْلِيَاءَهُ لَهُ مُحِبُّونَ وَهُمْ يَرْجُونَ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَوْلِيَائِهِ مَنْ أَبْغَضَهُ بَعْدَ أَنْ يُقَرِّبَهُ وَبِمَا قَالَ. وَإِنْ قَالُوا: مَنْ أَبْغَضَ اللَّهَ فَهُوَ كَافِرٌ، قِيلَ لَهُمْ: فَقَدْ أَثْبَتُّمُ الْبُغْضَ كُفْرًا فَكَذَلِكَ الْحَبُّ إِيمَانٌ لِأَنَّ الْإِيمَانَ ضِدُّ الْكُفْرِ فَمَا نَفَى الْكُفْرَ فَهُوَ إِيمَانٌ وَمَا نَفَى الْإِيمَانَ فَهُوَ كُفْرٌ، فَإِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّ الْكُفْرَ يَنْفِي مَا لَيْسَ بِإِيمَانٍ فَإِنَّ الْإِيمَانَ يَنْفِي مَا لَيْسَ بِكُفْرٍ فَإِذَا كَانَ كَافِرًا بِبَعْضِ الْمَعَانِي ثُمَّ أَتَى بِالْإِيمَانِ لَمْ يَنْتِفِ مِنْهُ الْكُفْرَ وَكَانَ مُؤْمِنًا بَعْدَ الْكُفْرِ ⦗٧٣٠⦘، وَكَذَلِكَ إِنْ أَتَى بِالْكُفْرِ لَمْ يَنْتِفِ مِنْهُ الْإِيمَانَ وَكَانَ كَافِرًا مُؤْمِنًا وَهَذَا التَّنَاقُضَ وَالْإِحَالَةَ لِأَنَّ الْإِيمَانَ فِي قَوْلِكُمْ لَا يَخْرُجُ الْمُؤْمِنُ مِنْهُ إِلَّا بِتَرْكِهِ وَلَا يَتْرُكُهُ إِلَّا بِأَخَفِّ ضِدِّهِ وَهُوَ الْكُفْرُ. فَإِنْ زَعَمُوا أَنَّ الْحُبَّ لِلَّهِ إِيمَانٌ وَالْبُغْضَ لَهُ كُفْرٌ قِيلَ لَهُمْ: فَقَدْ أَضَفْتُمْ إِلَى التَّصْدِيقِ وَالْإِقْرَارِ ثَالِثًا وَهُوَ حُبُّ اللَّهِ فَزَعَمْتُمْ أَنَّهُ إِيمَانٌ ثُمَّ أَزَلْتُمُ التَّصْدِيقَ وَالْإِقْرَارَ بِزَوَالِ الْحُبِّ فَقَدْ جَعَلْتُمُ الْحُبَّ تَصْدِيقًا وَإِقْرَارًا، وَالْبُغْضَ جَحْدًا لِأَنَّهُ لَا يُكَفِّرُ الْعَبْدَ إِلَّا بِالْجَحْدِ عِنْدَكُمْ، وَلَا يُؤْمِنُ إِلَّا بِالتَّصْدِيقِ وَقَدْ كَفَرَ بِالْبُغْضِ وَهُوَ جَحْدٌ عَلَى قَوْلِكُمْ، وَآمَنَ بِالْحُبِّ فَقَدْ ثَبَتَ عَلَى قَوْلِكُمْ إِنَّ الْحُبَّ تَصْدِيقٌ وَالْبُغْضَ جَحْدٌ فَقَدْ خَرَجْتُمْ مِنَ اللُّغَةِ وَالْمَعْقُولِ فَأَيْنَ اللُّغَةُ الَّتِي بِهَا اعْتَلَلْتُمْ؟ فَإِنْ قَالُوا: مُحَالٌ أَنْ يَعْرِفَ اللَّهَ فَلَا يَكُونُ لَهُ مُحِبًّا لِأَنَّهُ يُصَدِّقُ بِهِ بِمَعْرِفَتِهِ أَنَّهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ فَلَا يَمْتَنِعُ مِنْ حُبِّهِ وَلَا يَعْرِضُ فِي قَلْبِهِ الْبُغْضَ، وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي فِطَرِنَا إِنَّا نَعْرِفُ مِنْ دُونِ اللَّهِ بِالْقُدْرَةِ، وَالْحِلْمِ، وَالْكَرَمِ، وَالْجُودِ وَالتَّفَضُّلِ عَلَيْنَا، وَالْإِحْسَانِ إِلَيْنَا، وَالْعِلْمِ، وَالْحِكْمَةِ فِي نَفْسِهِ فَلَا تَمْتَنِعُ ⦗٧٣١⦘ قُلُوبُنَا أَنْ نُحِبَّ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ، وَمُحَالٌ أَنْ يُسَاوِي اللَّهَ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ فِي صِفَاتِهِ وَمَدْحِهِ فَإِذَا كَانَتْ فِطَرُنَا لَا يَمْتَنِعُ مِنْ حُبِّ مَنْ هُوَ دُونَ اللَّهِ مِنَ الْخَلْقِ إِذَا عَرَفْنَا بِبَعْضِ الْمَدْحِ وَكَانَ إِلَيْنَا مُحْسِنًا فَمُحَالٌ أَنْ يَمْتَنِعَ قَلْبُ مَنْ عَرَفَ اللَّهَ وَصَدَّقَ بِهِ وَأَنَّهُ الْمُحْسِنُ إِلَيْهِ وَأَنْ لَمْ يَصِلْ إِلَيْهِ إِحْسَانٌ قَطُّ إِلَّا مِنْهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ حُبِّهِ فَمَسْأَلَتُكُمْ إِيَّانَا مُحَالٌ إِذْ سَأَلْتُمُونَا عَنْ مَنْ أَبْغَضَ اللَّهَ وَصَدَّقَ بِهِ فَأَوْجَدْنَاكُمْ أَنَّ ذَلِكَ مُحَالٌ فَإِنَّ قَوْلَكُمْ صَدَقَ وَهُوَ مُبْغِضٌ مُتَنَاقِضٌ يَنْقُضُ بَعْضُهُ بَعْضًا كَأَنَّكُمْ قُلْتُمْ صَدَقَ وَهُوَ مُكَذِّبٌ لِأَنَّ الْبُغْضَ لَا يَكُونُ مِنْ مُكَذِّبٍ، وَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ الْبُغْضُ مِنْ مُصَدِّقٍ لِحَالَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا أَنَّا لَمْ نَرَ وَلَمْ نَسْمَعْ مُؤْمِنًا كَذَلِكَ وَلَمْ نَجِدْهُ فِي فِطَرِ عُقُولِنَا أَنَّا لَا نَمْتَنِعُ مِنْ حُبِّ مَنْ أَحْسَنَ إِلَيْنَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي نَفْسِهِ أَهْلًا لِلْحُبِّ فَكَيْفَ مَنْ كَانَ فِي نَفْسِهِ أَهْلًا لِأَنْ يُحِبَّ بَلْ لَا تَمْتَنِعُ قُلُوبُنَا مِمَّنْ هُوَ أَهْلٌ أَنْ نُحِبَّ وَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ إِلَيْنَا، بَلْ نَبْذُلَ لَهُ مِنْ أَمْوَالِنَا وَنُؤْثِرُهُ عَلَى أَنْفُسِنَا فَإِذَا اجْتَمَعَتْ فِيهِ الْخِصَالُ: الْكَرَمُ، وَالْعِلْمُ، وَالتُّقَى، وَالنَّزَاهَةُ مِنْ كُلِّ ⦗٧٣٢⦘ مَكْرُوهٍ، وَكَانَ إِلَيْنَا مُحْسِنًا كَانَ حُبُّهُ فِي قُلُوبِنَا كَامِلًا لِمَا عَرَفْنَاهُ بِهِ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُسَاوِي اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي كَرَمِهِ وَجُودِهِ وَحِلْمِهِ وَعِلْمِهِ بَلْ لَا يُشْبِهُهُ أَحَدٌ، وَكُلُّ إِحْسَانٍ فَمِنْهُ وَإِنْ جَرَى عَلَى أَيْدِي الْخَلَائِقِ فَمُحَالٌ أَنْ يَجْتَمِعَ التَّصْدِيقُ لِلَّهِ وَالْبُغْضُ لَهُ، وَمُحَالٌ أَنْ يُزِيلَ التَّصْدِيقُ الْحُبَّ قِيلَ لَهُمْ إِنَّكُمْ أَجَبْتُمُونَا بِجَوَابٍ يَلْزَمُكُمْ فِي مَعْنَى جَوَابِكُمْ هَذَا أَنْ تَقُولُوا بِقَوْلِنَا قَدْ وَافَقْتُمُونَا مِنْ حَيْثُ لَا تَعْلَمُونَ لِأَنَّكُمْ وَصَفْتُمُ الْمَعْرِفَةَ وَالتَّصْدِيقَ ثُمَّ زَعَمْتُمْ أَنَّ الْعَارِفَ الْمُصَدِّقَ لَا يَمْتَنِعُ مِنَ الْحُبِّ لِلَّهِ وَتَرْكِ الْبُغْضِ لَهُ وَأَنَّ ذَلِكَ مِنَ الْإِيمَانِ فَجَعَلْتُمْ مَا يَكُونُ عَنِ التَّصْدِيقِ إِيمَانًا وَهَذَا الَّذِي خَالَفْتُمُونَا مِنْ أَجْلِهِ لِأَنَّكُمُ اعْتَلَلْتُمْ بِاللُّغَةِ، وَأَهْلُ اللُّغَةِ لَا يُسَمُّونَ الْحُبَّ تَصْدِيقًا وَلَا إِيمَانًا، وَلَا الْبُغْضَ كُفْرًا لِأَنَّ الْحُبَّ عَنِ التَّصْدِيقِ يَكُونُ، وَالْبُغْضَ عَنِ الْإِنْكَارِ وَالْجَحْدِ فَقَدْ أَضَفْتُمْ إِلَى الْإِيمَانِ مَا أَوْجَبَهُ الْإِيمَانُ وَكَانَ عَنْهُ وَكَذَلِكَ كُلَّمَا أَوْجَبَهُ الْإِيمَانُ وَكَانَ عَنْهُ فَهُوَ إِيمَانٌ لَا فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّكَ إِذَا أَصْدَرْتَ اللُّغَةَ بِالْعِبَارَةِ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا مُوجِبٌ لِلْآخَرِ عَرَفْتَ أَنَّ الْمَعْرِفَةَ مُتَقَدِّمَةٌ لِلْحُبِّ بِالْبُغْضِ ⦗٧٣٣⦘. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الْقَائِلِ عَرَفْتُ فُلَانًا بِالشَّرِّ وَالْإِسَاءَةِ فَأَبْغَضْتُهُ، وَعَرَفْتُ فُلَانًا بِالْكَرَمِ وَالْإِحْسَانِ فَأَحْبَبْتُهُ، وَلَا يَقُولُ الْعَرَبُ أَبْغَضْتُهُ وَعَرَفَتُهُ بِالْإِسَاءَةِ وَالشَّرِّ وَلَا أَحْبَبْتُهُ وَعَرَفَتْهُ بِالْخَيْرِ وَالْإِحْسَانِ هَذَا مُحَالٌ فِي لُغَتِهَا لِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ تَتَقَدَّمُهَا وَلَيْسَتْ بِهَا فَقَدْ جَعَلْتُمْ مَا كَانَ الْإِيمَانُ سَبَبَهُ إِيمَانًا فَكَذَلِكَ كُلُّ مَا كَانَ الْإِيمَانُ سَبَبُهُ مِنْ عَمَلِ الْقَلْبِ أَوْ جَارِحِهِ فَهُوَ إِيمَانٌ وَقَدْ خَرَجْتُمْ مِنَ اللُّغَةِ الَّتِي بِهَا اعْتَلَلْتُمْ وَوَافَقْتُمْ مُخَالِفِيكُمْ فِي مَعْنَى الْجَوَابِ الَّذِي بِهِ أَجَبْتُمْ. فَإِنْ قُلْتُمْ إِنَّ الْمُبْغِضَ لَا يُبْغِضُ مُبْغِضًا إِلَّا لِخِصَالٍ ثَلَاثٍ إِمَّا لِمَعْرِفَتِهِ بِالشَّرِّ مِنْهُ، وَأَنَّهُ فِي نَفْسِهِ خَبِيثٌ يَسْتَحِقُّ الْبُغْضَ لِأَفْعَالِهِ الْخَبِيثَةِ وَلِطَبْعِهِ اللَّئِيمِ. وَالْخَصْلَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ يَكُونَ وَإِنْ كَانَ لَيْسَ بِلَئِيمٍ فِي طَبْعِهِ قَدْ أَسَاءَ إِلَيْهِ، وَآذَاهُ وَظَلَمَهُ فَيُبْغِضُهُ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَوْ حَسَدَهُ فَيُوَرِّثُهُ الْحَسَدُ لَهُ الْبُغْضَ، وَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ الْمُؤْمِنُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْخِصَالِ لِلَّهِ لِأَنَّهُ إِذَا اعْتَقَدَ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِكَرِيمٍ وَلَا يَسْتَحِقُّ الْمَدْحَ الْحَسَنَ فَقَدِ اعْتَقَدَ الْكُفْرَ وَلَمْ يَعْرِفْ، وَكَذَلِكَ إِنِ اعْتَقَدَ أَنَّهُ قَدْ ظَلَمَهُ وَجَارَ عَلَيْهِ فَهُوَ كَافِرٌ لَمْ يَعْرِفِ اللَّهَ لِأَنَّ الْجَائِرَ ⦗٧٣٤⦘ الظَّالِمَ الْمُعْتَدِي هُوَ الْمُحْتَاجُ الْعَاجِزُ الْمَنْقُوصُ إِذَا احْتَاجَ إِلَى الظُّلْمِ لِأَنَّ الظُّلْمَ لَا يَكُونُ إِلَّا لَخَصْلَتَيْنِ اجْتِرَارُ مَنْفَعَةٍ أَوْ دَفَعُ مَضَرَّةٍ مِنْ شَيْءٍ عَنْهُ لَا يَمْلِكُهُ أَوْ دَفْعُ أَذَى مَنْ يَخَافُهُ مِمَّنْ ظَلَمَهُ فَيُبَادِرُهُ بِالظُّلْمِ بِأَنْ يَدْفَعُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَجَلَّ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْ هَذِهِ الصِّفَةِ فَمَنِ اعْتَقَدَ ذَلِكَ فَهُوَ كَافِرٌ، وَأَمَّا الْحَسَدُ فَإِنَّ الْعَبْدَ لَا يَحْسِدُ إِلَّا مَخْلُوقًا مِثْلَهُ يُقَاسُهُ عَلَيْهِ إِذْ صَارَ إِلَى خَيْرٍ مِنْ دِينٍ أَوْ دُنْيَا لَمْ يَصِلْ هُوَ إِلَيْهِ، أَوْ عَدَاوَةٌ مُتَقَدِّمَةٌ وَلَيْسَ الْخَلْقُ فِي الْإِلَهِيَّةِ مَعْنًى يُعَظِّمُونَ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَنَالُوا مِنْهَا بَلْ هُمْ مُضْطَرُّونَ إِلَى رَبِّهِمْ مَصْنُوعُونَ مُحْدَثُونَ فَالْحَسَدُ بَيْنَ الْخَلْقِ وَالْخَالِقِ خَارِجٌ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ، وَأَمَّا الْحَسَدُ عَنِ الْعَدَاوَةِ فَإِنَّ الْعَدَاوَةَ لِلَّهِ كُفْرٌ لِأَنَّ الْعَدَاوَةَ مُضَادَّةٌ وَمُعَانَدَةٌ وَذَلِكَ كُفْرٌ كُلُّهُ قِيلَ لَهُمْ إِنَّكُمْ قَدْ صَدَقْتُمْ فِي جَوَابِكُمْ أَنَّ الْبُغْضَ لَا يَكُونُ إِلَّا عَنْ ذَلِكَ وَأَشْبَاهِهِ فَلَمْ نَسْأَلْكُمْ عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مَنْ أَنْزَلَ اللَّهَ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ فَلَمْ يَعْرِفُهُ وَلَكِنْ سَأَلْنَاكُمْ عَنِ الْبُغْضِ الَّذِي أَوْجَبَتْهُ هَذِهِ الْخَلَّالُ الَّتِي هِيَ جَحْدٌ وَكُفْرٌ فَجَعَلْتُمُ الْبُغْضَ كُفْرًا وَلَيْسَ هَذِهِ الْخِلَالُ بِبُغْضٍ فِي عَيْنِهِ وَلَكِنَّ الْبُغْضَ عَنْهَا يَكُونُ وَهِيَ سَبَبٌ لِلْبُغْضِ فَقَدْ خَرَجْتُمْ مِنَ اللَّهِ، وَأَضَفْتُمْ إِلَى الْكُفْرِ عَلَى دَعْوَاكُمْ مَا ⦗٧٣٥⦘ كَانَ الْكُفْرُ سَبَبًا لَهُ وَعَنْهُ لَا يَكُونُ هُوَ فِي عَيْنِهِ فَقَدْ وَافَقْتُمْ مُخَالِفِيكُمْ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَيَلْزَمُكُمْ أَيْضًا مَا ادَّعَيْتُمْ أَنْ كَانَ مَا أَوْجَبَهُ كُفْرًا فَكَذَلِكَ مَا أَوْجَبَتْهُ أَضْدَادُهَا إِيمَانٌ لِأَنَّ أَضْدَادَهَا مَعْرِفَةٌ بِاللَّهِ إِنَّهُ الْكَرِيمُ ذُو الْإِحْسَانِ وَالْجُودِ، وَإِنَّهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، وَإِنَّهُ الْعَادِلُ الَّذِي لَا يَجُورُ وَلَا يَظْلِمُ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ صِفَاتِهِ وَإِنَّهُ مُتَفَضِّلٌ عَلَى مَنْ أَرَادَ، وَعَادِلٌ عَلَى مَنْ يَسْتَحِقُّ الْعَدْلَ لَا يَنْصَرِفُ مِنْ عَدْلٍ إِلَى جَوْرٍ أَبَدًا فَهَذِهِ الْخِلَالُ الْمُوجِبَةُ لِلْحُبِّ لِلَّهِ فَكَذَلِكَ الْحَبُّ لِلَّهِ إِيمَانٌ بِهِ كَمَا كَانَ الْبُغْضُ كُفْرًا عَنِ الْكُفْرِ الَّذِي أَوْجَبَهُ لَا فُرْقَانَ بَيْنَ ذَلِكَ. فَإِنْ قَالُوا: فَإِنَّ الْحُبَّ لِلَّهِ لَيْسَ بِإِيمَانٍ، وَالْبُغْضَ لَهُ لَيْسَ بِكُفْرٍ وَلَكِنَّهُمَا خَلْقَانِ عَنِ الْكُفْرِ أَوِ الْإِيمَانِ وَلَا يَكُونُ الْبُغْضُ إِلَّا مِنْ كَافِرٍ وَلَا يَكُونُ الْحُبُّ إِلَّا مِنْ مُؤْمِنٍ. قِيلَ لَهُمْ: فَالْبُغْضُ لِلَّهِ لَيْسَ بِكُفْرٍ فِي عَيْنِهِ وَلَكِنَّهُ مَعْصِيَةٌ لَا كُفْرٌ فَمَنْ أَبْغَضَ اللَّهَ لَمْ يَكْفُرْ لِبُغْضِهِ. فَإِنْ قَالُوا: إِنَّهُ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ كَافِرٍ. قِيلَ لَهُمْ: لَمْ نَسْأَلْكُمْ عَنْ مَا أَوْجَبَهُ وَلَا مِمَّنْ يَكُونُ وَلَكِنْ سَأَلْنَاكُمْ عَنِ الْبُغْضِ هَلْ هُوَ فِي عَيْنِهِ كُفْرٌ أَوْ غَيْرُ كُفْرٍ؟ ⦗٧٣٦⦘. فَإِنْ قَالُوا: لَيْسَ هُوَ فِي عَيْنِهِ كُفْرٌ. قِيلَ لَهُمْ: فَكُلُّ مَا لَيْسَ بِكُفْرٍ فَجَائِزٌ لِلَّهِ أَنْ يُبِيحَهُ لِأَنَّ كُلَّ مَعْصِيَةٍ سِوَى الْكُفْرِ فَجَائِزٌ أَنْ يُبِيحَهَا اللَّهُ فِي بَعْضِ الْأَزْمِنَةٍ، وَيُحِلَّهُ وَيَتَعَبَّدُ خَلْقَهُ بِمَا يَشَاءُ. فَإِنْ قَالُوا: لَيْسَتْ كُلُّ الْمَعَاصِي يَجُوزُ فِيهَا النَّسْخُ قِيلَ لَهُمْ: مِثْلُ مَاذَا؟ فَإِنْ قَالُوا: كَالظُّلْمِ مِنَ الْقَتْلِ وَغَيْرِهِ. قِيلَ لَهُمْ: قَدْ أَكْذَبَكُمُ الْكِتَابُ فَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ سَمَّى إِخْوَةَ يُوسُفَ عُصَاةً خَاطِئِينَ بِتَغَيُّبِهِمْ يُوسُفَ عَنْ أَبِيهِ، وَكَادَ لِيُوسُفَ عَنْ أَخِيهِ بِمَا احْتَالَ بِالْصُوَاعِ إِذْ دَسَّ الصُّوَاعَ فِي وِعَاءِ أَخِيهِ لِيَقْطَعَهُ عَنْهُمْ وَيَحْبِسَهُ عَنْ أَبِيهِ وَيَرْجِعُوا إِلَيْهِ، وَلَيْسَ هُوَ مَعَهُمْ فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [يوسف: ٧٦] فَأَظْهَرَ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ سَرَقَ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إِخْوَتِهِ وَحَبَسَهُ عَنْ أَبِيهِ فَازْدَادَ لِذَلِكَ حُزْنًا وَلَمْ يُسَمِّ اللَّهُ يُوسُفَ بِذَلِكَ عَاصِيًا بَلْ أَخْبَرَ أَنَّهُ وَلِيَ لَهُ كَيْدَ ذَلِكَ حَقٌّ لَهُ بِأَنْ ⦗٧٣٧⦘ ضَمَّ أَخَاهُ، وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْنَا أَنْ نَقْتُلَ أَنْفُسَنَا فَقَالَ: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا} [النساء: ٣٠] فَحَرَّمَ عَلَيْنَا أَنْ نَقْتُلَ أَنْفُسَنَا، وَأَنْ يَقْتُلَ بَعْضُنَا بَعْضًا ثُمَّ أَخْبَرَنَا أَنَّهُ جَعَلَ تَوْبَةَ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّتِي يَغْفِرُ لَهُمْ بِهَا وَيَقْبَلُهُمْ قَتْلَ بَعْضِهِمْ بَعْضًا فَقَالَ: {تُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ}
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute