٧٩٢ - حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ، ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، ثنا ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: " {بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ} [البقرة: ٥٤] قَالَ: كَانَ مُوسَى أَمَرَ قَوْمَهُ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَنْ يَقْتُلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِالْخَنَاجِرِ فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَقْتُلُ أَبَاهُ وَيَقْتُلُ وَلَدَهُ فَتَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَالَ: وَالْعِجْلُ حُلِيُّ اسْتَعَارُوهُ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ فَقَالَ لَهُمْ هَارُونُ: أَحْرِقُوهُ فَأَحْرَقُوهُ، وَكَانَ السَّامِرِيُّ أَخَذَ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ فَرَسِ جِبْرِيلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ فَطَرَحَهَا فِيهِ فَانَسَبَكَ فَكَانَ لَهُ كَالْجَوْفِ تَهْوِي فِيهِ الرِّيحُ، فَقَالَ السَّامِرِيُّ: هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى ".
٧٩٣ - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أنا رَوْحٌ، ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ نَحْوَهُ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: فَإِنْ كَانَ الْبُغْضُ لَيْسَ بِكُفْرٍ فَجَائِزٌ ⦗٧٤١⦘ أَنْ يُبِيحَ اللَّهُ بُغْضَهُ لِمَنِ اعْتَقَدَ مَعْرِفَتَهُ. فَإِنْ قَالُوا: ذَلِكَ مُحَالٌ أَنْ يُفَارِقَ الْكُفْرُ الْبُغْضَ. قِيلَ لَهُمْ: وَكَذَلِكَ مُحَالٌ أَنْ يُفَارِقَ الْإِيمَانُ الْحُبَّ وَكَانَ عَزِيزًا أَنْ يُفَارِقَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، فَإِذَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُفَارِقَ الْبُغْضُ الْكُفْرَ، فَالْحُبُّ الْإِيمَانُ لَا غَيْرُهُ، وَالْبُغْضُ مِنَ الْكُفْرِ جُزْءٌ لَا غَيْرُهُ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَقَدْ زَعَمْتُمْ أَنَّ الْإِيمَانَ خَلَّتَانِ: الْمَعْرِفَةُ وَالْإِقْرَارُ ثُمَّ زَعَمْتُمْ أَنَّ الْعَارِفَ قَدْ يَعْرِفُ وَيَجْحَدُ، وَأَنَّ الْمَرْءَ قَدْ يُقِرُّ بِلِسَانِهِ وَيُنْكِرُ بِقَلْبِهِ، كَمَا وَصَفَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنِ الْمُنَافِقِينَ. فَإِنْ قَالَ مِنْهُمْ قَائِلٌ: لَيْسَ الْإِيمَانُ هُوَ الْمَعْرِفَةُ وَلَكِنَّهُ الْخُضُوعُ مَعَ الْمَعْرِفَةِ. قِيلَ لَهُمُ: الْمَسْأَلَةُ عَلَى حَالِهَا فِي الْخُضُوعِ كَالْمَسْأَلَةِ فِي الْحُبِّ إِذْ كَانَتِ الْمَعْرِفَةُ لَا يَكُونُ إِيمَانًا إِلَّا بِخُضُوعٍ، وَلَيْسَ الْخُضُوعُ هُوَ الْمَعْرِفَةُ وَقَدْ أَضَفْتُمُوهُ إِلَيْهَا فَكَذَلِكَ الْحُبُّ يَقُومُ بِالْخُضُوعِ، وَالْمَسْأَلَةُ عَلَى حَالِهَا وَلَوْ كَانَ الْحُبُّ لَيْسَ جُزْءًا مِنَ الْإِيمَانِ، وَلَا الْبُغْضُ جُزْءًا مِنَ الْكُفْرِ لَجَازَ أَنْ يَفْتَرِقَا فَيَكُونُ إِيمَانٌ بِلَا حُبٍّ، وَبُغْضٌ بِلَا كُفْرٍ، لِأَنَّكُمْ وَإِنِ ادَّعَيْتُمْ أَنَّ الْمَعْرِفَةَ لَا يَكُونُ إِيمَانًا إِلَّا ⦗٧٤٢⦘ وَمَعَهَا خُضُوعٌ فَقَدْ زَعَمْتُمْ أَنَّ الْإِقْرَارَ يَكُونُ بِاللِّسَانِ لَيْسَ مَعَهُ مَعْرِفَةٌ وَلَا خُضُوعٌ، كَمَا وَصَفَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنِ الْمُنَافِقِينَ فَإِذَا كَانَ الْإِيمَانُ مَعْرِفَةً وَخُضُوعًا وإِقْرَارًا بِاللِّسَانِ، وَلَا يَتِمُّ الْمَعْرِفَةُ وَالْخُضُوعُ إِلَّا بِالْإِقْرَارِ بِاللِّسَانِ، وَالْإِقْرَارُ هُوَ إِيمَانٌ فِي عَيْنِهِ فَجَازَ أَنْ يُوجَدَ بَعْضُ الْإِيمَانِ فِي زَوَالِ بَعْضٍ فَكَذَلِكَ جَائِزٌ أَنْ يَزُولَ الْحُبُّ وَالْإِيمَانُ فِي الْقَلْبِ لِأَنَّ الْحُبَّ عَنِ الْإِيمَانِ، وَالْإِقْرَارُ فِي نَفْسِهِ إِيمَانٌ، وَكَمَا وُجِدَ إِقْرَارٌ بِلَا تَصْدِيقٍ فَكَذَلِكَ جَائِزٌ أَنْ يُوجَدَ تَصْدِيقٌ بِلَا حُبٍّ، فَإِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّ الْإِقْرَارَ فَرْعٌ مِنَ الْإِيمَانِ فَكَذَلِكَ الْحُبُّ فَرْعٌ مِنَ الْإِيمَانِ، وَكَمَا وُجِدَ فَرْعٌ بِلَا أَصْلٍ، فَجَائِزٌ أَنْ يُوجَدَ حُبٌّ بِلَا تَصْدِيقٍ. فَإِنْ قَالُوا: ذَلِكَ مُحَالٌ. قِيلَ لَهُمْ: فَقَدْ ثَبَتُّمْ أَنَّ الْحُبَّ لِلَّهِ أَوْجَبُ أَنْ يَكُونَ إِيمَانًا مِنَ الْإِقْرَارِ بِاللِّسَانِ إِذْ كَانَ الْإِقْرَارُ قَدْ يَنْفَرِدُ دُونَ التَّصْدِيقِ فَيَكُونُ إِقْرَارًا وَلَا تَصْدِيقٌ وَلَا يَنْفَرِدُ الْحُبُّ مِنَ الْإِيمَانِ، وَلَا يُفَارِقُهُ فَإِذَا كَانَ الْإِقْرَارُ يَنْفَرِدُ مِنَ التَّصْدِيقِ فَإِنْ يَقْدُمُهُ التَّصْدِيقُ صَارَ الْإِقْرَارُ إِيمَانًا، وَإِذَا انْفَرَدَ لَمْ يَصِرْ إِيمَانًا، فَالْحُبُّ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ إِيمَانًا إِذْ لَا جَائِزَ أَنْ يَنْفَرِدَ مِنَ التَّصْدِيقِ، فَالْحُبُّ عَلَى دَعْوَاكُمْ أَوْكَدُ ⦗٧٤٣⦘ مِنَ الْإِقْرَارِ بِاللِّسَانِ أَنْ يَكُونَ إِيمَانًا، وَكَذَلِكَ الْبُغْضُ أَوْكَدُ أَنْ يَكُونَ كُفْرًا، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ رَخَّصَ لِمَنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ مِنَ الْعَدُوِّ أَنْ يُعْطِيَهُمُ الْجَحْدَ بِلِسَانِهِ فَيَكُونُ مُؤْمِنًا وَقَدْ أَتَى مَا يَجْحَدُ بِلِسَانِهِ وَبَقِيَ التَّصْدِيقُ فِي قَلْبِهِ، وَلَا يَكُونُ مُؤْمِنًا حَتَّى يُفَارِقَ الْبُغْضَ لِلَّهِ، وَقَدْ يَنْفَرِدُ الْجَحْدُ بِاللِّسَانِ عِنْدَ الرُّخْصَةِ مِنَ التَّصْدِيقِ فَلَا يَكُونُ كُفْرًا وَلَا يَنْفَرِدُ الْبُغْضُ مِنَ التَّصْدِيقِ إِلَّا كَانَ كُفْرًا نَاقِضًا لِلتَّصْدِيقِ فَالْجَحْدُ بِاللِّسَانِ لِلرُّخْصَةِ لَا يَنْقُضُ التَّصْدِيقَ، وَالْبُغْضُ لَا يَكُونُ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا إِلَّا كَانَ نَاقِضًا لِلتَّصْدِيقِ فَالْبُغْضُ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ كُفْرًا فَقَدْ نَاقَضْتُمْ دَعْوَاكُمْ فِيهِ فِي دَعْوَاكُمْ مَعَ خُرُوجِكُمْ مِنْ قَوْلِ جَمِيعِ الْأُمَّةِ لِأَنَّ الْبُغْضَ لِلَّهِ فِي عَيْنِهِ لَيْسَ بِكُفْرٍ وَأَنَّ الْحُبَّ لَيْسَ بِإِيمَانٍ. فَإِنْ قَالُوا: الْحُبُّ لَيْسَ بِإِيمَانٍ، وَالْبُغْضُ كُفْرٌ لِأَنَّ الْبُغْضَ شَتْمٌ. قِيلَ لَهُمْ: وَكَذَلِكَ الْحُبُّ مَدْحٌ. فَإِنْ قَالُوا: إِنَّا قَدْ نُحِبُّ مَنْ يَسْتَأْهِلُ عِنْدَنَا وَلَا يَسْتَأْهِلُ، وَلَا نُبْغِضُ إِلَّا مَنْ يَسْتَأْهِلُ الْبُغْضَ فَالْبُغْضُ شَتْمٌ. قِيلَ لَهُمْ: وَكَذَلِكَ الْحُبُّ مَدْحٌ عَلَى قَوْلِكُمْ، وَلَا جَائِزٌ ⦗٧٤٤⦘ لِلْعَاقِلِ أَنْ يُحِبَّ مَنْ لَا يَسْتَأْهِلُ الْحُبَّ فِي مَعْنًى مِنَ الْمَعَانِي، كَمَا لَا جَائِزَ أَنْ يُبْغِضَ إِلَّا مَنْ يَسْتَأْهِلُ الْبُغْضَ وَمَعَ ذَلِكَ إِنَّكُمْ قَدْ فَرَّقْتُمْ فَزَعَمْتُمْ أَنَّ اثْنَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ أَحَدُهُمَا ضِدٌّ لِلْآخَرِ، وَأَحَدُهُمَا كُفْرٌ وَضِدُّهُ لَيْسَ بِإِيمَانٍ، فَإِذَا كَانَ قَدْ تَأْتِي بِالْحُبِّ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُ إِيمَانًا ضِدًّا لِلْكُفْرِ فَكَذَلِكَ جَائِزٌ أَنْ يَأْتِيَ بِالْبُغْضِ، وَلَا يَكُونُ الْإِيمَانُ يُخْرِجُهُ مِنْهُ فَإِنْ لَمْ يَجُزْ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْبُغْضُ كُفْرًا لَمْ يَجُزْ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْحُبُّ إِيمَانًا، لِأَنَّ الْإِيمَانَ ضِدُّهُ الْكُفْرُ وَأَحَدُهُمَا يَنْفِي الْآخَرَ فَإِذَا كَانَ الْبُغْضُ فِي عَيْنِهِ كُفْرًا يَنْفِي الْإِيمَانَ فَكَذَلِكَ الْحُبُّ فِي عَيْنِهِ إِيمَانٌ يَنْفِي الْكُفْرَ لَا فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ عِنْدَ مَنْ يَفْهَمُ الْمَعْقُولَ وَيَعْقِلُ اللُّغَةَ. فَإِنْ قَالُوا: إِنَّ الْحُبَّ إِيمَانٌ، وَالْبُغْضَ كُفْرٌ. قِيلَ لَهُمْ: وَأَيْنَ وَجَدْتُمْ هَذَا فِي اللُّغَةِ أَنَّ الْحُبَّ تَصْدِيقٌ، وَأَنَّ الْبُغْضَ جَحْدٌ؟ فَإِنْ قَالُوا: وَإِنْ لَمْ نَجِدْهُ فِي اللُّغَةِ فَإِنَّ التَّصْدِيقَ لَا يُفَارِقُ الْحُبَّ وَلَا جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مُصَدِّقٌ إِلَّا مُحِبًّا، وَالْبُغْضُ لَا يُفَارِقُ الْكُفْرَ، وَلَا جَائِزَ أَنْ يَكُونَ مُبْغِضٌ إِلَّا كَافِرًا. قِيلَ لَهُمْ: فَقَدْ جَعَلْتُمْ مَا أَوْجَبَهُ الْإِيمَانُ إِيمَانًا، وَمَا ⦗٧٤٥⦘ أَوْجَبَهُ الْكُفْرُ كُفْرًا، فَكَذَلِكَ كُلُّ مَا كَانَ عَنِ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ، وَكَانَا سَبَبًا لَهُ فَهُوَ إِيمَانٌ أَوْ كُفْرٌ مِنْ عَمَلِ الْقَلْبِ وَالْجَوَارِحِ فَقَدْ خَرَجْتُمْ مِنَ اللُّغَةِ الَّتِي بِهَا اعْتَلَلْتُمْ، وَوَافَقْتُمْ مُخَالِفِيكُمْ فَإِنَّ الْفِرْقَةَ الَّتِي قَالَتْ: إِنَّ الْإِيمَانَ هُوَ الْخُضُوعُ مَعَ الْمَعْرِفَةِ فَكُلُّ خَاضِعٍ مُطِيعٌ. قِيلَ: وَأَيْنَ وَجَدْتُمُ الْخُضُوعَ فِي اللُّغَةِ إِيمَانًا؟ فَإِنْ قَالُوا: وَجَدْنَا اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَكَمَ لِمَنْ فَعَلَهُ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ، وَكَفَرَ مَنْ لَمْ يَخْضَعْ. قِيلَ لَهُمْ: فَلَمْ تَأْخُذُوا ذَلِكَ عَنِ اللُّغَةِ، وَإِنَّمَا أَخَذْتُمُوهُ عَنِ اللَّهِ فَإِنْ كَانَ الْخُضُوعُ مِنَ الْإِيمَانِ فَكُلُّ خُضُوعٍ إِيمَانٌ إِذَا اتَّبَعْتُمْ أَمْرَ اللَّهِ، وَخَرَجْتُمْ مِمَّا تَعْقِلُونَ مِنَ اللُّغَةِ فَالْخُضُوعُ بِالْقَلْبِ وَالْبَدَنِ أَلَا تَسْمَعُ إِلَى قَوْلِهِ: {فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} [الشعراء: ٤] فَثَبَتَ الْخُضُوعُ لِلْأَعْنَاقِ، فَحَيْثُ مَا يُوجَدْ خُضُوعٌ لِلَّهِ فَهُوَ إِيمَانٌ، وَحَيْثُ وُجِدَ إِبَاءٌ وَاسْتِكْبَارٌ أَوْ تَرْكٌ لِأَمْرِهِ فَهُوَ كُفْرٌ، فَالتَّرْكُ مَعَ الْإِبَاءِ كُفْرٌ كَمَا كَانَ الْفِعْلُ بِالْخُضُوعِ وَالْإِرَادَةِ إِيمَانًا، فَإِنْ كَانَتِ الْمُرْجِئَةُ إِنَّمَا قَالَتْ: إِنَّ الْإِقْرَارَ إِيمَانٌ مَعَ تَصْدِيقِ الْقَلْبِ لِأَنَّهُ تَحْقِيقٌ لِلتَّصْدِيقِ فَكَذَلِكَ عَمَلُ الْجَوَارِحِ كُلِّهَا لَوْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ: آمِنْ بِاللَّهِ وَاشْهَدْ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَوْ قَالَ: آمِنْ وَأَقِرَّ بِلِسَانِكَ، فَقَالَ ⦗٧٤٦⦘ بِلِسَانِهِ: آمَنْتُ بِاللَّهِ مُعَبِّرًا عَمَّا فِي قَلْبِهِ لَكَانَ ذَلِكَ دَالًّا عَلَى تَحْقِيقِ مَا فِي قَلْبِهِ مِنَ الْمَعْرِفَةِ، وَإِنْ كَانَ اللَّهُ يَلِي عِلْمَ السَّرَائِرِ، كَذَلِكَ لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ: آمِنْ بِاللَّهِ وَقُمْ فَصَلِّ فَبَادَرَ إِلَى الْوُضُوءِ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى لَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ إِقْرَارًا، وَإِنْ لَمْ يُقِرَّ بِلِسَانِهِ، وَلَوْ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُخْرِجَ مِنْ مَالِكَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَلَمْ يَقُلْ نَعَمْ فَبَادَرَ فَأَعْطَاهَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكَانَ ذَلِكَ يَقُومُ مَقَامَ الْإِقْرَارِ مُحَقِّقًا لِمَعْرِفَتِهِ بِاللَّهِ إِذْ أَبْدَى الطَّاعَةَ وَسَارَعَ إِلَيْهَا كَمَا سَارَعَ إِلَيْهَا الْمُقِرُّ بِلِسَانِهِ فَقَدْ قَامَتِ الْجَوَارِحُ مَقَامَ اللِّسَانِ فِي التَّحْقِيقِ لِلْمَعْرِفَةِ، وَإِنْ كَانَ اللِّسَانُ أَعْظَمَ قَدْرًا عِنْدَ اللَّهِ بِالشَّهَادَةِ فَكُلٌّ يُحَقِّقُ لِلْمَعْرِفَةِ. قَالَ: وَيُقَالُ لَهُمْ: أَرَأَيْتُمْ رَجُلًا زِنْدِيقًا أَوْ نَصْرَانِيًّا كَانَ جَالِسًا فِي سَفِينَةٍ أَوْ رَأْسِ جُرُفٍ مُطِلًّا عَلَى الْمَاءِ فَتَدَبَّرَ وَتَفَكَّرَ فِي الْخَلْقِ فَعَرَفَ أَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِهِ عَلِمَ اللَّهُ صِدْقَ ذَلِكَ مِنْهُ فَزَلَّتْ قَدَمُهُ فَغَرِقَ قَبْلَ أَنْ يَتَشَهَّدَ بِلِسَانٍ هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ مُؤْمِنًا؟ فَإِنْ قَالُوا: نَعَمْ، قِيلَ لَهُمْ: مُسْتَكْمِلُ الْإِيمَانِ؟ ⦗٧٤٧⦘ فَإِنْ قَالُوا: نَعَمْ، قِيلَ لَهُمْ: فَأَيْنَ الْإِقْرَارُ. فَإِنْ قَالُوا: لَمْ يَبْقَ إِلَى أَنْ يُؤَدِّي الْإِقْرَارَ. قِيلَ لَهُمْ: فَقَدْ شَهِدْتُمْ بِأَنَّ التَّصْدِيقَ بِلَا إِقْرَارَ إِيمَانٌ كَامِلٌ فَإِنْ أَمْكَنَهُ الْإِقْرَارَ فَلَمْ يُقِرَّ أَيَنْقُصُ الْإِيمَانُ الْكَامِلُ عِنْدَكُمْ؟ فَإِنْ أَقَرَّ كَمُلَ الْإِيمَانُ فَشَهِدْتُمْ لَهُ بِالْكَمَالِ فِي وَقْتٍ ثُمَّ زَعَمْتُمْ أَنَّهُ مُكْمِلٌ فِي وَقْتٍ ثَانٍ فَكَيْفَ يَكْمُلُ مَا قَدْ كَمُلَ؟ فَإِنْ قُلْتُمْ: إِنَّمَا كَمُلَ الْمُفْتَرَضُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَلَمْ يُفْتَرَضْ عَلَيْهِ الْإِقْرَارُ إِنْ لَمْ يَبْقَ فَإِنْ بَقِيَ فَأَقَرَّ زَادَ كَمَالًا إِلَى كَمَالِهِ لِأَنَّهُ كَانَ كَامِلًا مِنْ جِهَةِ الْوَاجِبِ فِي وَقْتِهِ كَامِلًا مِنْ جِهَةِ مَا أَتَى بِهِ غَيْرُهُ مِمَّنْ يَفِي فَصَدَّقَ وَأَقَرَّ. قِيلَ لَهُمْ: فَهَذَا الَّذِي زَعَمْتُمْ عَلَى أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْفَرْضَ مِنَ الْإِيمَانِ إِذَا لَزِمَ الْعَبْدُ فَأَدَّاهُ فِي وَقْتِهِ فَقَدْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ وَلَمْ يَأْتِ بِبَاقِي الْفَرْضِ مِنَ الْإِيمَانِ الَّذِي لَزِمَ غَيْرَهُ فَإِنْ بَقَى إِلَى وَقْتٍ ثَانٍ فَأَدَّى مِنَ الْفَرْضِ مَا أَدَّى غَيْرُهُ كَانَ زِيَادَةً عَلَى إِيمَانِهِ الْأَوَّلِ كَمَا قُلْتُمْ فِي الْمُصَدِّقِ فِي الْوَقْتِ الْأَوَّلِ ثُمَّ عُوجِلَ بِالْمَوْتِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ وَقْتٌ ثَانٍ وَلَوْ أَتَى وَقْتٌ ثَانٍ فَشَهِدَ فِيهِ كَانَ زِيَادَةً عَلَى إِيمَانِهِ الْأَوَّلِ لَا فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ ⦗٧٤٨⦘. فَإِنْ قَالُوا: إِنَّ الَّذِي صَدَقَ ثُمَّ عُوجِلَ بِالْمَوْتِ قَبْلَ أَنْ يُقِرَّ بِاللِّسَانِ إِنْ نَوَى أَنْ يُقِرَّ بِاللَّهِ وَيَشْهَدَ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَإِلَّا فَهُوَ كَافِرٌ قِيلَ لَهُمْ فَقَدْ ضَمِنْتُمْ إِلَى التَّصْدِيقِ النِّيَّةَ، وَلَيْسَتْ فِي اللُّغَةِ وَتَرَكْتُمْ قَوْلَكُمْ، أَرَأَيْتُمْ إِنْ صَدَقَ فِي أَوَّلِ وَقْتٍ فَعُوجِلَ قَبْلَ أَنْ يَنْوِيَ أَنْ يَتَشَهَّدَ فَمَاتَ أَمُؤْمِنٌ هُوَ؟ فَإِنْ قَالُوا: لَا فَالَّذِي نَوَى فَعُوجِلَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ وَقْتُ الْإِقْرَارِ أَيْضًا لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ فَإِنْ كَانَ مُؤْمِنًا إِذْ لَمْ يَأْتِ الْوَقْتُ الَّذِي يُمْكِنُهُ فِيهِ الْإِقْرَارَ قَبْلَ تَصْدِيقِهِ لِأَنَّهُ عَجَّلَ قَبْلَ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ مَنْ عَرَفَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ ثُمَّ عُوجِلَ قَبْلَ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ مَنْ عَرَفَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ ثُمَّ عُوجِلَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِ وَقْتٌ يَنْوِي فِيهِ فَقَدْ جَعَلُوا الْإِيمَانَ تَصْدِيقًا بِالْقَلْبِ مَا لَمْ يَأْتِ وَقْتُ عَمَلِ جَارِحِهِ، فَإِذَا أَتَى وَقْتٌ يُمْكِنُهُ فِيهِ التَّشَهُّدَ كَانَ التَّشَهُّدُ فِيهِ إِيمَانًا إِلَى إِيمَانِهِ الْأَوَّلِ فَكَذَلِكَ جَمِيعُ عَمَلِ الْجَوَارِحِ إِذَا أَتَى أَوْقَاتُهَا فَأَمْكَنَهُ الْقِيَامُ بِهَا كَانَ قِيَامُهُ بِهَا زِيَادَةٌ عَلَى إِيمَانِهِ الْأَوَّلِ لَا فُرْقَانَ بَيْنَ ذَلِكَ. فَإِنْ زَعَمُوا أَنَّهُ إِذَا صَدَّقَ بِقَلْبِهِ بِأَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ثُمَّ عُوجِلَ بِالْمَوْتِ قَبْلَ أَنْ يُمْكِنَهُ التَّشَهُّدَ أَنَّهُ كَافِرٌ فَقَدْ كَفَّرُوا مَنْ هُوَ مُؤْمِنٌ فِي اللُّغَةِ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ لِإِبْرَاهِيمَ: {أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى} [البقرة: ٢٦٠]
⦗٧٤٩⦘ فَإِنَّمَا عَبَّرَ عَنْ إِيمَانٍ قَدْ كَانَ قَبْلَ الْعِبَادَةِ وَهُوَ التَّصْدِيقُ، وَقَالَ إِخْوَةُ يُوسُفَ: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا} [يوسف: ١٧] أَيْ مُصَدِّقٍ فَقَدْ خَرَجُوا مِنْ قَوْلِهِمْ، وَزَعَمُوا أَنَّ الْمُؤْمِنَ فِي اللُّغَةِ كَافِرٌ بِغَيْرِ تَرْكٍ مِنْهُ لِلْإِقْرَارِ وَهُوَ يُنْكِرُهُ فَكَفَّرُوهُ بِغَيْرِ جُحُودٍ وَلَا إِبَاءٍ لِلْإِقْرَارِ، وَلَا امْتِنَاعٍ مِنْهُ وَهُوَ الْخُرُوجُ مِنَ اللُّغَةِ وَمِنْ قَوْلِ جَمِيعِ الْأُمَّةِ إِذِ الْكُفْرُ لَا يَكُونُ إِلَّا جُحُودًا بِالْقَلْبِ أَوْ تَكْذِيبًا بِالْقَلْبِ أَوْ بِاللِّسَانِ أَوْ إِبَاءً أَوِ امْتِنَاعًا بِاسْتِكْبَارٍ وَاسْتِنْكَافٍ. فَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ عَبْدًا عِنْدَ الْبُلُوغِ وَهُوَ صَحِيحٌ مُسْلِمٌ اعْتَقَدَ بِقَلْبِهِ أَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقٌّ ثُمَّ أَفْلَجَ قَبْلَ أَنْ يَجِئَ وَقْتُ الْإِقْرَارِ بِاللِّسَانِ فَيَبُسَتْ يَدَاهُ وَلِسَانُهُ فَمَكَثَ بِذَلِكَ عَشْرَ سِنِينَ مُصَدِّقًا بِقَلْبِهِ لَا يُمْكِنُهُ الْإِقْرَارُ بِاللِّسَانِ وَلَا الْإِشَارَةُ بِجَارِحِهِ فَيَلْزَمُهُمْ أَنْ يَقُولُوا إِنَّهُ عَاشَ كَافِرًا حَتَّى مَاتَ وَهَذَا الْخُرُوجُ مِنَ اللُّغَةِ، وَمِنْ قَوْلِ الْأُمَّةِ كُلِّهَا. فَإِنْ قَالُوا: هُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا فُرْقَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُصَدِّقِ وَالْمُعَاجِلِ بِالْفَرْضِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ وَقْتٌ يُمْكِنُهُ فِيهِ الْإِقْرَارَ، وَكَذَلِكَ إِنْ صَدَّقَ ثُمَّ جُنَّ فَزَالَ عَقْلُهُ مَعَ آخِرِ وَقْتِ التَّصْدِيقِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ وَقْتٌ يُمْكِنُهُ فِيهِ الْإِقْرَارَ لَا فُرْقَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُعَاجِلِ بِالْفَرْضِ فَقَدْ تَرَكُوا ⦗٧٥٠⦘ قَوْلَهُمْ وَنَقَضُوا أَصْلَهُمْ، وَأَقَرُّوا بِزِيَادَةِ الْإِيمَانِ بَعْدَ مَا شَهِدُوا لَهُ بِالْكَمَالِ. وَأَمَّا قَوْلُ بَعْضُهُمْ إِنَّ الْإِيمَانَ يَزِيدُ فَهَذَا دَعْوَى ادَّعَوْهَا لِيُثْبِتُوا بِهَا عِنْدَ الْأُمَّةِ أَنَّهُمْ مُقِرُّونَ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [الأنفال: ٢] و {لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} [الفتح: ٤] لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ: مُحَالٌ أَنْ يَكُونَ الزِّيَادَةُ إِلَّا بَعْدَ الْكَمَالِ، وَأَنَّ الْجُزْءَ الثَّانِي إِذَا ضُمَّ إِلَى الْأَوَّلِ فَلَيْسَ بِزِيَادَةٍ إِلَّا مِنْ جِهَةِ الْعَدَدِ لَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى الْمَعْرُوفِ لِأَنَّ الْإِيمَانَ مَعْلُومٌ فَإِذَا ضَمَّ جُزْءًا إِلَى جُزْءٍ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ زِيَادَةٌ فِي الْإِيمَانِ حَتَّى يُتِمَّ فَإِذَا تَمَّ جَارَتِ الزِّيَادَةُ عَلَى الْإِيمَانِ، وَهَذَا تَنَاقُضٌ مِنَ الْقَوْلِ لِأَنَّ الشَّيْءَ إِذَا تَمَّ ثُمَّ ضُمَّ إِلَيْهِ غَيْرُهُ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ، وَإِنَّمَا يَكُونُ مِنْهُ مَا كَانَ جُزْءًا مِنْهُ لَا أَنْ يُضَمَّ إِلَيْهِ جُزْءٌ مِنْ غَيْرِهِ، فَإِذَا كَانُوا قَدْ أَتَوْا بِالْإِيمَانِ كَامِلًا ثُمَّ ازْدَادُوا مَعْرِفَةً فِيمَا ادَّعَوْا، ثُمَّ زَعَمُوا أَنَّهَا زِيَادَةٌ فِي الْإِيمَانِ فَكَيْفَ زَادَ فِيمَا هُوَ كَامِلٌ لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ مَا لَمْ يُسَمَّ بِهِ وَقَدْ زَعَمُوا أَنَّ الْمَعْرِفَةَ هِيَ إِيمَانٌ مَعَ الْإِقْرَارِ فَقَدْ جَاءُوا بِالْمَعْرِفَةِ وَالْإِقْرَارِ وَذَلِكَ هُوَ الْإِيمَانُ الْكَامِلُ عِنْدَهُمْ فَكَيْفَ جَاءَ بِمَعْرِفَةٍ وَقَدْ كَمُلَتِ الْمَعْرِفَةُ وَلَمْ تَبْقَ مِنْهَا شَيْءٌ يَأْتِي بِهَا الْعَارِفُ لِأَنَّ الْإِيمَانَ مَعْلُومٌ عِنْدَ اللَّهِ ⦗٧٥١⦘ وَعِنْدَهُمْ فَإِذَا كَمُلَ الْمَعْلُومُ ثُمَّ جِئَ بِثَانٍ بَعْدَهُ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْإِيمَانِ الْمَعْلُومِ إِلَّا أَنْ يَزْعُمُوا أَنَّ الْإِيمَانَ فَرْضٌ وَنَافِلَةٌ، وَالنَّافِلَةُ تَرْكُهَا مُبَاحٌ، وَفِعْلُهَا قُرْبَةٌ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالْكُفْرُ ضِدُّ الْإِيمَانِ فَإِنْ كَانَ الْإِيمَانُ مِنْهُ مُفْتَرَضٌ، وَمِنْهُ نَافِلَةٌ فَضِدُّهُمَا جَمِيعًا الْكُفْرُ فَكَمَا كَانَ تَرْكُ الْإِيمَانِ الَّذِي هُوَ فَرْضٌ بَعْدَ مَا يَتْرُكُ الْإِيمَانَ الَّذِي هُوَ نَافِلَةٌ مُبَاحٌ فَتَرْكُ الْإِيمَانِ الَّذِي هُوَ الْكُفْرُ عِنْدَهُمْ فَكُفْرٌ بِاللَّهِ مُبَاحٌ، وَكُفْرٌ مُحَرَّمٌ وَهَذَا لَا يَقُولُ بِهِ إِلَّا مُخْتَلِطٌ. فَإِنْ زَعَمُوا أَنَّهُمْ إِنَّمَا سَمَّوُا الزِّيَادَةَ فِيهِ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَعْرِفَةٍ وَالْمَعْرِفَةُ هِيَ الْإِيمَانُ. قِيلَ لَهُمْ: قَدْ غَلَطْتُمْ مِنْ وَجْهَيْنِ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَإِنَّ هَذِهِ الْمَعْرِفَةَ الزَّائِدَةَ لَا تَخْلُو مِنْ أَنْ تَكُونَ مُفْتَرَضَةً أَوْ غَيْرِ مُفْتَرَضَةٍ فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُفْتَرَضَةٍ فَهِيَ مَعْلُومَةٌ، وَذَلِكَ عِنْدَكُمْ مَا لَا يَزِيدُ وَإِنْ كَانَتْ لَيْسَتْ مُفْتَرَضَةً فَقَدْ ثَبَتُّمْ إِيمَانًا بِالْإِبَاحَةِ وَهَلْ أَبَاحَ اللَّهُ لِعِبَادِهِ تَرْكَ الْإِيمَانِ مِنْ جِهَةٍ مِنَ الْجِهَاتِ وَلَوْ كَانَ مُبَاحًا لَاسْتَحَالَ أَنْ يَكُونَ ضِدَّهُ وَكَانَ كُفْرٌ مُبَاحٌ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَيُقَالُ لَهُمْ: أَخْبِرُونَا هَلْ يُوصَلُ إِلَى هَيْبَةِ شَيْءٍ، وَتَعْظِيمِهِ، وَخَوْفِهِ، وَرَجَائِهِ، وَحُبِّهِ إِلَّا بِخَصْلَتَيْنِ إِمَّا بِمُعَايَنَةٍ وَإِمَّا بِإِيمَانٍ لَهُ بِخَبَرٍ صَادِقٍ أَوْ ⦗٧٥٢⦘ دَلِيلٍ يَلْزَمُ؟ فَإِنْ قَالُوا: لَا يُوصَلُ إِلَى ذَلِكَ وَلَا يُنَالُ إِلَّا بِمَا ذَكَرْتَ. قُلْنَا لَهُمْ: فَقَدْ سَقَطَتِ الْمُعَايَنَةُ عَنِ الْعِبَادِ فَلَمْ يُعَايِنْ أَحَدٌ مِنْهُمُ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَلَمْ يَرَ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ إِلَّا مَا خَصَّ اللَّهُ بِهِ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا سَقَطَتِ الْمُعَايَنَةُ لَمْ يَكُنْ لِلْعِبَادِ وَسِيلَةٌ يَنَالُوا بِهَا الْخَوْفَ، وَالرَّجَاءَ، وَالتَّعْظِيمَ، وَالْإِجْلَالَ إِلَّا الْإِيمَانَ فَلَمْ يُفَاوِتِ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ صَدْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَآخِرِهَا فِي الطَّاعَاتِ مِنَ الْخَوْفِ، وَالرَّجَاءِ، وَالْهَيْبَةِ، وَالْحُبِّ، وَالْيَقِينِ، وَالتَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ إِذْ زَالَ الْعِيَانُ، وَلَا وَسِيلَةَ لَهُمْ إِلَى هَذِهِ الْأَخْلَاقِ وَلَا أَصْلَ لَهَا يَنْبَعِثُ مِنْهُ، وَيَهِيجُ مِنْهُ إِلَّا الْإِيمَانُ وَلَا سَبِيلَ إِلَى مَعْنًى ثَالِثٍ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يُنَالُ خَوْفٌ وَلَا رَجَاءٌ، وَلَا حُبٌّ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ إِلَّا بِمُعَايَنَةٍ أَوْ إِيمَانٍ فَلَمْ يُفَاوِتُوا فِي هَذِهِ الْأَخْلَاقِ فَرَأَيْنَا بَعْضَهُمْ خَائِفًا مِنَ اللَّهِ مَرْعُوبًا مُجِلًّا لَهُ مُشْفِقًا رَاجِيًا لَهُ رَاغِبًا فِيمَا عِنْدَهُ قَدْ أَزْعَجَهُ خَوْفُهُ عَنْ كُلِّ مَعْصِيَةٍ وَحَمَلَهُ رَجَاؤُهُ وَرَغْبَتُهُ عَلَى الْقِيَامِ بِحَقِّ اللَّهِ. وَرَأَيْنَا آخَرِينَ مُقِرِّينَ لِلَّهِ بِوَحْدَانِيَّتِهِ لَا يُزَايِلُهُمُ الْإِقْرَارُ وَالتَّصْدِيقُ وَهُمْ فِي عَامَّةِ أُمُورِهِمْ آمِنُونَ لَا يَخَافُونَ اللَّهَ عِنْدَ مَعْصِيَةٍ يَرْكَبُونَهَا وَلَا يَبْذِلُونَ لِلَّهِ الْحَقَّ فِيمَا يَرْجُونَ ⦗٧٥٣⦘ ثَوَابَهُ فَوَجَدْنَاهُمْ أَقَلَّ خَوْفًا وَرَجَاءً وَإِجْلَالًا لِلَّهِ وَهَيْبَةً مِنَ الْآخَرِينَ. وَكُلٌّ قَدْ يُفَارِقُهُمُ الْإِقْرَارُ وَالتَّصْدِيقُ فَلَمَّا وَجَدْنَاهُمْ كَذَلِكَ عَلِمْنَا أَنَّهُمْ جَمِيعًا قَدِ اسْتَحَقُّوا اسْمَ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ زَايَلُوا بِهِ الْجَحْدَ وَالتَّكْذِيبَ، وَأَنَّهُمْ قَدْ تَفَاضَلُوا بَعْدَ اسْتِحْقَاقِ الِاسْمِ فِي كَثْرَةِ الْإِيمَانِ وَقِلَّتِهِ وَعَظِيمِ قَدْرِهِ فِي الْقُلُوبِ مِنْ تَعْظِيمِ مَعْرِفَتِهِمْ بِالتَّصْدِيقِ بِهِ الَّذِي آمَنُوا بِهِ إِذْ لَا تَبْلُغُ لَهُ غَايَةَ مَعْرِفَةٍ فَيُسَاوِيهِ بِالْعِلْمِ بِنَفْسِهِ جَلَّ عَنْ ذَلِكَ وَتَعَالَى فَدَلَّ تَبَايُنُهُمْ فِيمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُمْ لَمْ يَتَبَايَنُوا الْإِيمَانَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاحِدًا إِذْ كَانُوا لَا يَنَالُونَ مَا تَبَايَنُوا فِيهِ إِلَّا بِالْإِيمَانِ إِذْ سَقَطَتِ الْمُعَايَنَةُ فَبَعْضُهُمْ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ فِي الْإِيمَانِ أَنَّهُمْ لَمْ يَتَبَايَنُوا فِي الْإِقْرَارِ بِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عِنْدَهُمْ حَقٌّ لَا بَاطِلٌ إِلَّا بِالْإِيمَانِ وَمَا قَالَ صِدْقٌ لَا كَذِبٌ وَبِمَا وَعَدَ وَتَوَعَّدَ مِنْ عِقَابِهِ وَثَوَابِهِ فَاسْتَوَوْا فِي الْإِقْرَارِ بِأَنَّ اللَّهَ حَقٌّ وَمَا قَالَ وَمَا تَوَاعَدَ وَوَعَدَ وَلَوْ دَخَلَ بَعْضُهُمُ الرَّيْبَ فِي ذَلِكَ لَكَفَرَ، وَالتَّفَاضُلُ لَا يَقَعُ بَيْنَ اثْنَيْنِ حَتَّى يَكُونَ فِي الْمَفْضُولِ مِنْهُمَا مَعْنًى يُسَاوِي بِهِ التَّفَاضُلَ يَسْتَحِقُّ بِهِ مَعَ الِاسْمِ ثُمَّ يَفْضُلُ بِهِ بِأَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ أَفْضَلَ مِمَّا عِنْدَ ⦗٧٥٤⦘ الْأَخَرِ فَيُدْرِكُ بِفَضْلِهِ لِأَنَّهُ لَا جَائِزَ أَنْ يُقَالَ فُلَانٌ صَحِيحٌ أَقْوَى بَصَرًا مِنْ فُلَانٍ الْأَعْمَى، وَلَا فُلَانٌ السَّمِيعُ أَقْوَى سَمْعًا مِنْ فُلَانٍ الْأَصَمِّ فَكَذَلِكَ لَا يُقَالُ فُلَانٌ الْمُؤْمِنُ أَقْوَى إِيمَانًا مِنْ فُلَانٍ الْكَافِرِ هَذَا سَاقِطٌ فِي التَّفَاضُلِ لَا يَقُولُهُ ذُو لُغَةٍ وَلَا مَعْقُولٍ فَإِذَا كَانَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ مَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الِاسْمَ الَّذِي يُزَايِلُ بِهِ الْعَمَى الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْبَصَرِ، وَلَوْ كَانَ أَقَلَّ قَلِيلِهِ بَعْدَ أَنْ يَسْتَحِقَّ بِهِ اسْمَ الْبَصَرِ فَيُزَايِلُ بِهِ اسْمَ الْعَمَى فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ جَازَ أَنْ يُقَالَ فُلَانٌ الْبَصِيرُ أَقْوَى بَصَرًا مِنْ فُلَانٍ إِذْ لِلْمَفْضُولِ مِنَ الْبَصَرِ مَا يَسْتَحِقُّ اسْمَ الْبَصَرِ وَكَذَلِكَ الْقُوَّةُ وَالسَّمْعُ وَلَا سَبِيلَ إِلَى اسْتِبَانَةِ الْأَشْيَاءِ وَإِبْصَارِهَا إِلَّا بِبَصَرٍ وَلَا حَمْلِ الْأَشْيَاءِ إِلَّا بِقُوَّةٍ وَلَا إِدْرَاكَ الْأَصْوَاتِ وَالتَّمْيِيزِ بَيْنَهَا إِلَّا بِسَمَاعٍ. وَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ بَصِيرَيْنِ نَظَرَ أَحَدُهُمَا اسْتَبَانَ شَيْئًا عَلَى قَدْرِ مِيلٍ وَأَبْصَرَهُ بَيِّنًا وَلَا يَتَبَيَّنُ مَا فَوْقَ ذَلِكَ وَنَظَرَ الْآخَرُ إِلَيْهِ عَلَى رَأْسِ مِيلَيْنِ فَأَبْصَرَهُ وَتَبَيَّنَهُ وَأَبْصَرَ النَّظَرَ إِلَيْهِ فَلَمْ يَرَهُ لَشَهِدَتِ الْعُقُولُ اضْطِرَارًا عَلَى أَنَّ الْمُتَبَيِّنَ لِلشَّيْءِ عَلَى رَأْسِ مِيلَيْنِ أَقْوَى بَصَرًا مِنَ الَّذِي لَمْ يَسْتَبِنْ لَهُ الشَّيْءُ إِلَّا عَلَى رَأْسِ مِيلٍ، وَذَلِكَ مِثْلُ رَجُلٍ تَوَلَّى عَنْهُمَا فَجَعَلَا يَسْتَبِينَانِهِ جَمِيعًا ⦗٧٥٥⦘ حَتَّى بَلَغَ رَأْسَ الْمِيلِ ثُمَّ خَفِيَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَلَمْ يَرَهُ وَجَعَلَ الْآخَرُ يَتَبَيَّنُهُ حَتَّى رَآهُ عَلَى رَأْسِ مِيلَيْنِ لَشَهِدَتِ الْعُقُولُ أَنَّ هَذَا أَقْوَاهُمَا بَصَرًا إِذْ لَا سَبِيلَ لَهُمَا إِلَى الِاسْتِبَانَةِ إِلَّا بِبَصَرٍ. وَكَذَلِكَ لَوْ حَمَلَ أَحَدُهُمَا مِئَةَ رَطْلٍ فَزِيدَ عَلَيْهِ عَشَرَةٌ فَأَلْقَاهَا وَلَمْ يُطِقْهَا وَزِيدَ عَلَى الْآخَرِ خَمْسُونَ أُخْرَى لَشَهِدَتِ الْعُقُولُ بِأَنَّ هَذَا أَشَدُّهُمَا قُوَّةً وَإِنْ كَانَ عِنْدَ هَذَا مِنَ الْقُوَّةِ مَا زَايَلَ بِهِ الزَّمَانَةَ. وَكَذَلِكَ السَّمْعُ فَلَمَّا كَانَتِ الْأَبْصَارُ لَا يُنَالُ بِهَا اسْتِبَانَةُ الْأَشْيَاءِ إِلَّا بِقَدْرِ قُوَاهَا، وَلَا الْقَوِيُّ يَنَالُ بِهَذَا الْحِمْلِ إِلَّا بِقَدْرِ الْقُوَى. وَكَذَلِكَ إِدْرَاكُ الْأَصْوَاتِ لَا تُدْرَكُ إِلَّا بِقَدْرِ قُوَى الْأَسْمَاعِ فَلَمَّا تَفَاوَتُوا فِي ذَلِكَ شَهِدَتِ الْقُلُوبُ بِاضْطِرَارِ أَنَّهُمْ لَيْسُوا فِيهَا مُسْتَوِينَ، وَإِنْ كَانَ فِي أَوَّلِهَا لَا يَتَفَاوَتُونَ فَكَذَلِكَ شَهِدَتِ الْعُقُولُ إِذَا تَدَبَّرَتِ الْإِيمَانَ وَعَلِمَتْ أَنَّهُ إِذَا كَانَ لَا يُنَالُ خَوْفٌ وَلَا رَجَاءٌ لِلَّهِ وَلَا إِجْلَالٌ وَلَا هَيْبَةٌ وَلَا مُسَارَعَةٌ إِلَى طَاعَةٍ إِلَّا بِالْإِيمَانِ إِذْ سَقَطَتِ الْمُعَايَنَةُ فَكَانَ مَا يُنَالُ بِهِ هَذِهِ الْأَخْلَاقُ كُلِّهَا إِيمَانًا لَا غَيْرَهُ ⦗٧٥٦⦘ فَإِذَا تَدَبَّرَتِ الْعُقُولُ ذَلِكَ شَهِدَتْ أَنَّهُمْ لَوْلَا أَنَّ الْخَائِفِينَ وَالْمُطِيعِينَ لِلَّهِ فَضُلُوا الْعَاصِينَ الَّذِينَ قَلَّ خَوْفُهُمْ مِنْهُ وَتَعْظِيمُهُمْ لَهُ فِي الْإِيمَانِ لَمَا تَفَاوَتُوا فِي هَذِهِ الْأَخْلَاقِ فَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ أَنَّهُمْ فِيهِ مُتَفَاوِتُونَ وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا كَانُوا فِي الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ وَالتَّعْظِيمِ، وَالْإِجْلَالِ، وَالْهَيْبَةِ مُخْتَلِفَيْنِ فَلَوْ جَازَ أَنْ يَسْتَوُوا فِي الْإِيمَانِ وَلَا سَبِيلَ إِلَى هَذِهِ الْأَخْلَاقِ إِلَّا بِهِ وَمِنْهُ ثُمَّ يَتَفَاوَتُونَ فِي هَذِهِ الْأَخْلَاقِ لَجَازَ أَنْ يَسْتَوُوا فِي قُوَى الْأَبْصَارِ، ثُمَّ يَخْتَلِفُونَ فِي الِاسْتِبَانَةِ مِنَ الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ وَيَسْتَوُوا فِي الْقُوَى وَيَخْتَلِفُوا فِي الْحَمْلِ وَالْكَثْرَةِ وَالْقِلَّةِ فَيَكُونَانِ جَمِيعًا فِي الْقُوَّةِ يَسْتَوِيَانِ، وَيَخْتَلِفَانِ فِي الْحَمْلِ فَيَحْمِلُ أَحَدُهُمَا خَمْسَمِائَةِ رَطْلٍ، وَالْآخَرُ لَا يُطِيقُ إِلَّا مِائَةً فَإِنِ اسْتَحَالَ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ هُوَ فِي الْإِيمَانِ مُسْتَحِيلٌ لَا فُرْقَانَ بَيْنَهُمَا. فَإِنْ قَالَ جَاهِلٌ لَا يَعْرِفُ اللُّغَةَ وَلَا التَّمْيِيزَ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ بِالْمَعْقُولِ وَلَا كَيْفَ أُصُولُ الطَّاعَاتِ فَقَالَ: إِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الْأَخْلَاقِ بِالتَّوْفِيقِ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَفَّقَ بَعْضَهُمْ وَلَمْ يُوَفِّقِ الْآخَرَ ⦗٧٥٧⦘. قِيلَ لَهُمْ: لَيْسَ فِي الْقَدْرِ نَازَعْنَاكُمْ وَقَدْ أَجْمَعْنَا أَنَّهُ بِالتَّوْفِيقِ وَلَكِنْ كَيْفَ وَفَّقَ مَنْ كَثُرَ خَوْفُهُ وَرَجَاؤُهُ وَقَوَّى تَعْظِيمَهُ وَثِقَتَهُ وَتَوَكُّلَهُ بِأَنْ أَلْزَمَ قَلْبَهُ ذَلِكَ كَمَا أَلْزَمَهُ نَاظِرَ عَيْنِهِ لَمْ يَكُنْ عَنْ مَعْرِفَةٍ بِمَا خُوِّفَ بِهِ وَلَا عَنْ ذِكْرٍ لِلَّهِ وَلَا هُوَ مُخْتَارٌ لَهُ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَلَيْسَ بِمُكْتَسِبٍ وَلَا عَامِلٍ إِلَّا وَفَّقَهُ بِأَنْ وَهَبَ لَهُ التَّذَكُّرَ وَالتَّفَكُّرَ فَعَقَلَ عَنْهُ مَا قَالَ فَعَظُمَتْ بِذَلِكَ مَعْرِفَتُهُ وَقَوِيَ بِهِ إِيمَانُهُ فَعَظُمَ خَوْفُهُ وَرَجَاؤُهُ. قَالُوا: جَائِزٌ أَنْ يَلْزَمَ ذَلِكَ قَلْبَهُ بِلَا تَذَكُّرٍ وَلَا عَنْ مَعْرِفَةٍ بِمَا خُوِّفَ بِهِ وَلَا اخْتِيَارٍ لَهُ كَالسَّحَرَةِ أَلْزَمَ قُلُوبَهُمُ الْخَوْفَ لَمْ يَتَقَدَّمْ ذَلِكَ طَلَبٌ مِنْهُمْ وَلَا مَعْرِفَةٌ وَلَا ذِكْرٌ وَلَا اخْتِيَارٌ. قِيلَ لَهُمْ: لَوْ كَانَ كَمَا تَقُولُونَ مَا كَانَ ذَلِكَ لَهُمْ عَمَلًا وَلَا مُدِحُوا بِهِ كَمَا لَا جَائِزَ أَنْ يَكُونَ جَمَالُ وُجُوهِهِمْ لَهُمْ عَمَلًا وَلَا صِحَّةُ أَجْسَامِهِمْ. فَإِنْ قَالُوا: كُلُّ حَسَنٍ يُلْزِمُهُ اللَّهُ الْعَبْدَ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ مِنْهُ لَيْسَ مِنَ الطَّاعَاتِ فَلَيْسَ هُوَ لَهُ بِعَمَلٍ وَلَا يُثَابُ عَلَيْهِ، وَكُلُّ مَا أُلْزِمَ مِنَ الطَّاعَةِ لِلَّهِ فَهُوَ لَهُ عَمَلٌ. قِيلَ لَهُمُ: الْعِلَّتَانِ وَاحِدَةٌ وَإِنَّمَا أَنْتُمْ تَدَّعُونَ وَلَمْ تَأْتُوا بِتَفْرِقَةٍ وَقَدْ دَلَّ الْكِتَابُ عَلَى خِلَافِ مَا قُلْتُمْ لِأَنَّ اللَّهَ ⦗٧٥٨⦘ وَصَفَ الْخَائِفِينَ بِالتَّذَكُّرِ وَالتَّفَكُّرِ، وَأَخْرَجَ مِنْهُمْ مَنْ لَيْسَ بِمُتَذَكِّرٍ وَلَا مُتَفَكِّرٍ فَقَالَ: {لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الرعد: ٣] فَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ مَنْ عَقَلَ وَلَمْ يَتَفَكَّرْ كَانَ اللَّهُ فِيمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ آيَةً فَقَدْ عَارَضَ اللَّهَ، وَمَا قَالَ بِرَدٍّ، وَقَدْ أَخْبَرَنَا عَنِ السَّحَرَةِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى كَذِبِ دَعْوَاكُمْ لِقَوْلِهِمْ: {إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا} [طه: ٧٣] فَلَا شَاهِدَ عَلَى قُلُوبِهِمْ أَصْدَقَ مِنَ اللَّهِ يُخْبِرُكَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِقَصْدٍ مِنْ قُلُوبِهِمْ وَاخْتِيَارٍ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ أَرَادَ مِنْهُمْ أَنْ يَغْفِرَ لَهُمْ ثُمَّ قَالُوا: {إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا} [طه: ٧٤] فَعَبَّرُوا عَنْ عَقْلِهِمْ عَنِ اللَّهِ الْوَعْدَ وَالْوَعِيدَ فَهَذَا الِاكْتِسَابُ وَمَا سِوَاهُ اضْطِرَارًا. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: فَإِنْ قَالُوا: بَلْ وَفَّقَهُمْ بِأَنْ وَهَبَ لَهُمُ التَّذَكُّرَ وَالتَّفَكُّرَ فَعَقَلُوا عَنْهُ فَخَافُوهُ. قِيلَ: فَكَذَلِكَ وَفَّقَهُمْ حَتَّى عَقَلُوا عَنْهُ فَصَدَّقُوا بِهِ جَمِيعًا أَنَّهُ حَقٌّ ثُمَّ تَفَاوَتُوا فِي التَّصْدِيقِ حَتَّى كَانَ أَحَدُهُمْ كَأَنَّمَا يُعَايِنُ مَا صَدَّقَ. وَمِنْ ذَلِكَ مَا قَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute