للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإنْ قال قائلٌ: وَجَدْنَا الْأزْواجَ قد جَرَى ذِكْرُهم في الآيةِ، وهو قَوْلُه: (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم). ثم قال: (إلا أن يعفون)، فإنَّما أراد بذلك النِّساءَ، ثم قال: (أو يعفوا الذي بيده عقدة النكاح)، وهو يُريد: أو تَعْفُوا أنْتُم أيُّها الْأزْواجُ.

فإن قال قائلٌ: فإنَّ العَفْوَ لا يكونُ إلاَّ تَرْكُ الْأخْذِ بالشيءِ الواجِبِ، وذلك إنَّما يكونُ مِن المرأةِ لأنَّ المَهْرَ لها، وقد اسْتَحَقَّت النِّصْفَ، فتَتْرُكُ طِلابَ ذلك النِّصْف، أو يَعْفُو وَلِيُّها فيَتْرُكُ ما وَجَبَ للذي يتَوَلَّى أمْرَها، وهو أبُو البِكْرِ.

قيل له: وكذلك البَعْلُ قد اسْتَحَقَّ أن يُجْعَل له نصفُ المَهْرِ المُسَمَّى، فلا يُطالَبُ به، وإذا كان مُسْتَحِقًّا له، قيل له: اعْفُ. أي: اتْرُكْ ما قد صِرْتَ أنتَ أوْلَى به، وهو النِّصْفُ، فيَعْفُو، أي: يتْرُكُ ما قد اسْتَحَقَّه، ويجعله للمرأةِ، ابْتِغاءَ الفَضْلِ.

ثم يُقال لهؤلاء القومِ: أرَأيْتُمْ إن كان الوَلِيُّ هو الذي تَزَوَّجَها، ثم طَلَّقَها قبل أن يَدْخُلَ بها، وأبَتْ أن تَعْفُوَ عنه، ألَهُ أن يَعْفُوَ عن نفسِه؟ فإذا لم يكنْ له ذلك دَلَّ ذلك على أن الْأمْرَ ليس كالذي تَأوَّلْتُمُوه، وقد قال الشَّافِعِيُّ، رَحِمَه الله: أمَّا أبُو البِكْرِ فلا يَجُوزُ له عَفْوُهُ، كما لا يَجُوز له هِبَةُ مالِها.

<<  <   >  >>