للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رابعاً: الحلم والصبر:

كان مصعب بن عمير - رضي الله عنه - حليماً صبوراً , فعندما أقبل عليه أسيد بن حضير - رضي الله عنه - وقف عليه متشتماً وزاجراً له , وهدده وأمره باعتزال المكان , وما كان من مصعب - رضي الله عنه - إلا أن تلطف معه وأشار إليه بالجلوس ليسمع منه (١) , فما زجره وما انتقم لنفسه ولم يقابله بالمثل , بل أحسن إليه بالكلام الليّن , والمعاملة الحسنة؛ لأنه يعرف أن المقابلة بالمثل سيكون معولاً هداماً لسير عملية الحوار , فيتوقف بذلك الحوار , ويعجز عن تحقيق الهدف المنشود.

خامساً: العزة والثبات على الحق:

لا بد للمؤمن أن يعتز بدين الله ويثبت على الحق في جميع المواطن, ولا يرخص نفسه ولا يذلها , يقول تعالى: {... وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} (٢).

فمصعب بن عمير - رضي الله عنه - أعز نفسه بهذا الدين , وثبت على الحق , فعندما علمت أمه بمقدمه أرسلت إليه وقالت: " يا عاق , أتقدم بلدا أنا فيه لا تبدأ بي؟ فقال: ما كنت لأبدأَ بأحدٍ قبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ثم ذهب إلى أمه , فقالت: إنك لعلى ما أنت عليه من الصَّبْأَةِ بعدُ! قال: أنا على دين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الإسلام الذي رضي الله لنفسه ولرسوله ... وجعلت تبكي , فقال مصعب - رضي الله عنه -: يا أماه إني لكِ ناصحٌ عليك شفيقٌ , فاشهدي أنه لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله " (٣).

فلم يتوانَ مصعب بن عمير - رضي الله عنه - ولم يتردد بالبدء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - , لأنه يعلم


(١) المصدر السابق , ١/ ٤٣٥.
(٢) سورة المنافقون: آية (٨).
(٣) ابن سعد: الطبقات الكبرى , ٣/ ٨٨.

<<  <   >  >>