للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

بابُ: أَخْلاقِ منْ قَرَأَ القُرْآنَ لا يُريدُ به اللَّهَ عز وجل

فَأَمَّا مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ لِلدُّنْيَا وَلأَبْنَاءِ الدُّنْيَا فَإِنَّ مِنْ أَخْلاقِهِ: أَنْ يَكُونَ حَافِظًا لِحُرُوفِ الْقُرْآنِ، مُضَيِّعًا لِحُدُودِهِ، مُتَعَظِّمًا فِي نَفْسِهِ، مُتَكَبِّرًا عَلَى غَيْرِهِ. قَدْ اتَّخَذَ الْقُرْآنَ بِضَاعَةً يَتَأَكَّلُ بِهِ الأَغْنِيَاءَ، وَيَسْتَقْضِي بِهِ الْحَوَائِجَ، يُعَظِّمُ أَبْنَاءَ الدُّنْيَا، وَيُحَقِّرُ الْفُقَرَاءَ، إِنْ عَلَّمَ الْغَنِيَ رَفَقَ بِهِ طَمْعًا فِي دُنْيَاهُ، وَإِنْ عَلَّمَ الْفَقِيرَ زَجَرَهُ وَعَنَّفَهُ؛ لأَنَّهُ لا دُنْيَا لَهُ يَطْمَعُ فِيهَا، يستخدم بِهِ الْفُقَرَاءَ، وَيَتِيهُ بِهِ عَلَى الأَغْنِيَاءِ، إِنْ كَانَ حَسَنَ الصَّوْتِ أَحَبَّ أَنْ يَقْرَأَ لِلْمُلُوكِ، وَيُصَلِّي بِهِمْ طَمعًا فِي دُنْيَاهُمْ، وَإِنْ سَأَلَهُ الْفُقَرَاءُ الصَّلاةَ بِهِمْ ثَقُلَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، لِقِلَّةِ الدُّنْيَا فِي أَيْدِيهِمْ، إِنَّمَا طَلَبُهُ الدُّنْيَا حَيْثُ كَانَتْ رَبَضَ عِنْدَهَا.

يَفْخَرُ عَلَى النَّاسِ بِالْقُرْآن، وَيَحْتَجُّ عَلَى مَنْ دُونَهَ فِي الْحِفْظِ بِفَضْلِ مَا مَعَهُ مِنْ القراءات، وَزِيَادَةِ الْمَعْرِفَةِ بالغرائب من القراءات الَّتِي لَوْ عَقَلَ لَعَلِمَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَلَّا يَقْرَأَ بِهَا (١)، فَتَرَاهُ تَائِهًا مُتَكَبِّرًا، كَثِير الْكَلامِ بِغَيْرِ تَمْييزٍ، يَعِيبُ كُلَّ مَنْ لَمْ


(١) لكونها لم تثبت عند أهل الشأن من القراء، أو ربما لغرابتها على أهل بلده.

<<  <   >  >>