للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فأمر المؤمنين عند التنازع بالرد إلى الله والرسول، وهذا يوجب تقديم السمع وهذا هو الواجب إذ لو ردوا إلى غير ذلك من عقول الرجال وآرائهم ومقاييسهم وبراهينهم لم يزدهم هذا الرد إلا اختلافاً واضطراباً، وشكاً وارتياباً (١).

قال الخطيب البغدادي: «ولعمري إن السنن ووجوه الحق لتأتي كثيراً على خلاف الرأي ومجانبته خلافاً بعيداً، فما يرى المسلمون بداً من اتباعها والانقياد لها، ولمثل ذلك ورع أهل العلم والدين فكفهم عن الرأي، ودلهم على عوره وغوره من ذلك رجلان قطعت أذنا أحدهما جميعاً يكون له اثنا عشر ألفاً، وقتل الآخر فذهبت أذناه وعيناه ويداه ورجلاه وذهبت نفسه ليس له إلا الاثنا عشر ألفاً .. فهل وجد المسلمون بُداً من لزوم هذا» (٢).

وقال علي بن أبي طالب : «لو كان الدِّينُ بالرأيِ لكان أسفلَ الخفِّ أولى بالمسحِ من أعلاه وقد رأيتُ النبيَّ يمسحُ على ظاهرِ خُفَّيْه» (٣).

«وإذا كان الأمر كذلك فإذا علم الإنسان بالعقل أن هذا رسول الله، وعلم أنه أخبر بشيء، ووجد في عقله ما ينازعه في خبره، كان عقله يوجب عليه أن يسلم موارد النزاع إلى من هو أعلم به منه، وأن لا يقدم رأيه على قوله، ويعلم أن عقله قاصر بالنسبة إليه» (٤).

ولكل ما سبق فإنه لا يجوز لعاقل أن يقول إن دلالة هذا الحديث مخالفة للعقل، فهذه الأدلة الواضحة لا تدع مجالاً ينفذ منه المشككون في حجية السنة.


(١) درء تعارض العقل والنقل ١/ ١٤٧، ١٤٦.
(٢) الفقيه والمتفقه ١/ ١٥٢.
يعني أن من قطعت أذناه له دية كاملة، وهي اثني عشر ألفا. وقتل الآخر وذهبت نفسه وجميع حواسه ليس له إلا دية كاملة وهي اثني عشر ألفا.
(٣) أخرجه أبو داود بإسناد حسن، وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص: إنه حديث صحيح، ١/ ١٦٠، شركة الطباعة الفنية المتحدة، القاهرة، سنة ١٣٨٤ هـ.
(٤) درء تعارض العقل والنقل ١/ ١٤١.

<<  <   >  >>