وإذا كان الإسلام حيث يسود يمنح الآخرين حرية العقل والضمير، فإن الآخرين إذا سادوا سلبوا أتباع الإسلام حقوقهم، وأذاقوهم عذاب الهون.
وهذا القدر من الحرية والعدل الذي قرره الإسلام وأكد عليه في القرآن الكريم منذ أكثر من أربعة عشر قرناً لم تصل إليه -بعد- أي أمة من أمم الأرض التي تدعي أنها رائدة في المحافظة على حقوق الإنسان وحريته، وهو أيضاً ما لم ينتبه إليه واضعو ميثاق حقوق الإنسان، استمع إلى قول الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [المائدة: ٨] وفي آية أخرى يقول: ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [المائدة: ٢] ويؤخذ من هذه النصوص الصريحة حرمة التمييز أيضاً في هذه الحقوق وحرمة العدوان عليها بسبب الحقد أو العداء.
ويتضح من جميع هذه النصوص التشريعية في الإسلام وما تضمنته من ضوابط مقدار حرص الإسلام على حقوق الإنسان الأساسية فكرية أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية، ولم يتخذ الإسلام من هذه النصوص مواعظ أخلاقية وحسب، بل أوامر تشريعية، وأقام إلى جانبها جميع النصوص التشريعية اللازمة لضمان تنفيذها، وأن الإسلام منذ أكثر من أربعة عشر قرناً قد سبق المنظمات الدولية والدول الحديثة في إعلان هذه الحقوق، بل قد أقام دعوته عليها من أجل خير الإنسان، وأمر القرآن الكريم بذلك فقال: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ