* في هذا (١٣٤/ أ) الحديث من الفقه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حكم على الأنصار حكم الواثق بمتانة دينهم، وأن ذوي آرائهم فهموا ذلك فلم يقولوا إلا خيرا، فأما الأحداث: فإنهم قالوا ما قالوا عن غير فهم لمقصود رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى صرح لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما فهموا به هم وغيرهم، فأحوجوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أن أظهر من السر في تكثير المؤلفة قلوبهم ما لم يكن يريد إظهاره.
* وفيه أيضا أن الكلام كان يخص الأنصار فلم يكن يقتضي أن يسمعه غير الأنصار؛ فذلك لم يدع معهم غيرهم.
* وأما قوله:(ابن أخت القوم منهم) فإنه يعني أنه منهم في النصر والترافد لا أنه يلحق بنسبهم.
* وفيه أيضا أنه عرفهم قدر نعمة الله عليهم في تميزهم دون أهل الأرض برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفي مثل هذا الموضع يحسن الاعتداد بالنعمة مخافة أن تفضي الغفلة عنها إلى نسيانها، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (أما ترضون أن تذهب الناس بالأموال، وترجعون إلى رحالكم برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فوالله ما تنقلبون به خير مما ينقلبون به).
* وقوله:(ستجدون بعدي أثرة) أي استيثار عليكم، وقد دل هذا على أن الصبر على الأثرة من أبواب البر العظام؛ لأنه يستأثر على المسلم بما يرى أنه حقه فصبره عنه أفضل من صبره عن شيء لا يرى أن له فيه حقا.
وقول أنس:(فلم نصبر)، يعني أنه ربما يكون قد قال كلمة أو تأثر بحال فلم يستجز عند هذه الحالة أن يسكت فيكون متأنيا لما يأخذ به نفسه من الصدق فقال: فلم نصبر.