سبحانه أن بسط الملكوت ثم قبضه في خلقه الآدمي، فلم يخل بشيء مما أودعه في المبسوط إلا وجعل مثاله في المقبوض؛ بل إن المقبوض يزيد عليه بأن فيه من معرفة الله سبحانه، والعلم به والفهم عنه، وأهليته للخطاب والتكليف ما يفضل به المبسوط كله.
* ولأن المبسوط كله خلق له، ومن أجله، وكله في خدمته، ويسخر له فهل يغفل عن هذه في مواقع الحكم في خلقه هذه البنية إلا أعمى البصيرة، جهل إبليس ظن أنه لا يتمالك، وإنما كانت الحكم المودعة جوف الآدمي وباطنه مثمرات ما كان من بدائع الحكم في ظاهره من علقه وتمييزه وإدراكه وفهمه وذوقه ولمسه وإحساسه.
* ولأن ما خلق الله سبحانه وتعالى في أرضه من بدائع الثمار، واختلاف الطعوم، وما ضمن الحشائش والنباتات من المنافع والمضار، لو لم يخلق الآدمي، أجوف؛ ليدرك بحاجته إلى الطعام ما خلق الله تعالى من عجائب صنعته فيما أودعه الثمار، مما لا يمكن أن يصفه شخص لشخص (٢٢٣/ ب)؛ فإنما يدرك بالذوق لا يمكن أن يوصف، حتى إن في المطعم الواحد الحلو مثلًا من التفاوت الذي أودعه الله عز وجل في كل جنس من أجناس مخلوقاته ما ليس في الآخر، على نحو حلاوة الرطب التي هي غير حلاوة العنب، التي هي غير حلاوة الرمان؛ التي هي غير حلاوة التفاح؛ التي هي غير حلاوة البطيخ؛ التي هي غير حلاوة المن؛ التي هي غير حلاوة السكر؛ التي هي غير حلاوة الفرصاد؛ حتى إن في طعم الحل خاصة ما يزيد عن عشرين جنسا؛ كل واحد منها في حلاوته بينه وبين الآخر في حلاوته تفاوت لا يمكن واصف