للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* وفيه أيضًا من الفقه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جعل للرجل من ماله الثلث ليتصدق به في وجوه يراها أولى من ورثته لأنه قد يكون في الناس من يعرف ناسًا ذوي ضرورة ملحقة فهم في العاجل أولى من ورثته؛ فلو كان محظورًا على الرجل أن يتصدق من ماله بشيء لكان ذلك إضرارًا بأولئك المستحقين، كلما أنه لو كان مفسوحًا للرجل أن يتصدق بكل ماله لكان ذلك أضرارًا بورثته، فلما كان الأمر في ذلك من الجانبين اقتضت حكمة الله ما قدره رسول الله بالثلث؛ إلا أنه إنما قدر الثلث من حيث ترجيح الورثة بجانب الفاقة وجانب الرحم، فصار الورثة يدلون بسببين والفقراء غيرهم يدلون بسبب واحد، فلذلك صار الثلث للأجانب والثلثان للأقارب.

* وفيه من الفقه أنه ينبغي للرجل المؤمن أن لا ينفق نفقة في بيته وعلى أهله وزوجته وولده إلا لله عز وجل؟ ألا تراه يقول: (إنك لا تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله عز وجل إلا أحرت بها حتى ما تجعل في امرأتك)؟ وإنما خص المرأة بذلك لأنه ليس فيمن يطعمه من ولده من يمازج إطعامه له نوع شهوة إلا ما يجعله في امرأته، فهو يعني - صلى الله عليه وسلم -: أنه إذا كان هذا ممتزجًا بنوع شهوة وأنت تثاب عليه، فما عداه أولى وأخرى.

* وفي الحديث أيضًا ما يدل على فقه سعد؛ فإنه فهم من كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه ليس بميت في تلك المرضة فلذلك قال: (أخلف بعد أصحابي؟)، فإنما خاف سعد أن يكون تخلفه بعد أصحاب ناقصًا له من فضله، فعرفه - صلى الله عليه وسلم - أن طول عمر المؤمن زيادة درجات له بمقتضى كل عمل يعمله في كل يوم وساعته ونفس، فإن المؤمن لا يستوي يوماه أبدًا بل هو في زيادة.

* وفيه أيضًا ما يدل على أن المؤمن كما ينتفع به المؤمنون فكذلك يستضر به الفاسقون والمجرمون؛ لأنه قاله (١٠٥/ ب): (ينتفع بك أقوام ويضر بك آخرون).

<<  <  ج: ص:  >  >>