هذا قول الله تعالى:{لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم} ومعناه فيما أرى أنه ندب للمظلوم أن يجهر بذكر قصته باسم من ظلمه ليشيع ذلك بين الناس، فيكون شيوع ذلك عذرًا للقادر على الإيقاع بالظالم ليجمع في ذلك بين أن يعرف الناس أنه سبحانه لم يوقع بمن ظلم إلا انتصارًا منه لمن كان ظلمه، وليعلم العباد أن من وراء الظالمين طالبًا لا يرد بأسه، وهذا فهو كذلك، إلا أن من وراء هذا حالًا أخرى لولاها لم يكن يمهل ظالم (١٧٩/ أ) في الأرض فواق ناقة، وتلك الحال أن الخلق كلهم عبيد الله سبحانه، وملك له، فإذا ظلم بعضهم بعضًا فالمظلوم لا يستحق على الظالم إلا أن يمكنه سيده، إذ من جنى على عبد جناية فالخصم فيها سيده، فالخلق كلهم لله تعالى، أروش جناياتهم حقوقه، فهو سبحانه إن أمهل فله ذلك، وإن اقتص فله ذلك.
* وقوله:(كلكم ضال إلا من هديته) في هذا من الفقه أن الشأن في الناس الضلال إلا من هدى الله تعالى، فيترتب على ذلك أن الإنسان إذا رأى عنده آثار هدى فليعلم أن ذلك من عند الله تعالى، وكلما ازداد هدًى تعين عليه أن يزداد شكرًا وحمدًا لله تعالى.
* وقوله:(فاستهدوني أهدكم) أي اطلبوا مني الهداية، أهدكم، والمعنى أهديكم إذا استهديتموني، فإذا استهديتني أيها العبد فهديتك عرفتك أنني أجبت الدعاء وأعطيتك ما سألت فتعرفت إليك بذلك، ولو قد هديتك من قبل أن تسأل لم يكن تعبدًا منك أن تقول:{إنما أوتيته على علم عندي}
*وقوله:(كلكم جائع إلا من أطعمته) يعني سبحانه وتعالى أنه خلق الخلق ذوي فقر إلى الطعام، وأن كل طاعم فإنه كان جائعًا حتى أطعمه الله تعالى بأنواع منها سوق الرزق، ومنها تصحيح الآلة المتناولة لذلك الرزق، فهو