عمر:(أيكم يحفظ حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) وذلك لأن المعاني إنما تبنى على حدود الكلم، فإذا لم يحفظ الراوي حدود الكلم تغايرت المعاني.
* وقوله:(الفتنة) يعني الابتلاء والاختبار، ومنه قولهم: فتنت الذهب في النار إذا اختبرته لتعلم جودته من رداءته.
* وفيه أيضًا دليل على أن المسئول إذا سئل بنطق محتمل لأمرين: كبير ويسير، فإنه يبدأ بحمله على اليسير حتى يكون الناطق به هو (١٨٥/ أ) المفسر لمقصوده منه، ألا ترى أن عمر رضي الله عنه حين سأل عن الفتنة، وكان هذا النطق محتملًا لفتنة الرجل في أهله وماله ونفسه وولده، ومحتملًا للفتنة الكبرى التي تعم جميع الخلق، لم يحملها حذيفة أولًا إلا على الفتنة الصغرى، إذ كما يكره إهاجة نفس الفتنة الكبرى، كذلك يكره إهاجة ذكرها، حتى فسر عمر رضي الله عنه مقصوده.
* وأما قوله:(فتنة الرجل في أهله وماله) فأما الفتنة في الأهل فإن المؤمن مأمور بصلة الرحم فيهم مؤاخذ بالعصبية في الباطل لهم، وأما الفتنة في المال والولد، فإن الله جل جلاله يقول:{إنما أموالكم وأولادكم فتنة} والإنسان إذا أوتي مالًا قد خاطبه الشرع بحسن القيام عليه وحفظه وتثميره إن كان مما يقبل ذلك مع صيانته أن يخرج منه شيء وإن قل، إلا فيما أجاز المنعم به إخراجه فيه، كما أنه إذا خاطبه الشرع بإنفاقه وجب عليه أن لا يمسك شيئًا منه استبدادًا به وشحًا عليه، فيجمع فيه بين طرفي مساءتين: من حفظه عن تدبير في غير حق، أو البخل بشيء منه إذا عرض ما هو الأحق.
* وفتنة الإنسان في نفسه: أنها مودوعة عنده فهو مأمور بصيانتها واستيفاء حقوق الله تعالى منها، وكذلك الولد فإنه فتنة أيضًا من حيث أن الوالد مأمور بحفظ ولده وتعليمه، مؤاخذ على إهماله والتفريط فيه مما كله مشعر بالحدب عليه، كما هو مخاطب بأن لا يريده لنشر ذكره بعده ولا ليتبع جنازته ولا نحو