للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والجوابُ: أمَّا الشِّعرُ فعنهُ جوابان:

أحدُهما: أنَّه لا حجةَ فيه، لأنَّ الخلافَ بيننا في الأَولية لا في عَدَمِ الجَواز، ونحن نقولُ: هو جائزٌ، ولا يَدُلُّ الشِّعرُ على أكثَر من الجوازِ.

والثاني: أنَّ قولَه ((الخرد)) إنَّما أُعمل فيه الأَول، لأنَّ القوافي منصوبة فترجح عنده إعمال الأول لحفظ القافية، وكذلك ((نَعَبَ الغُرابا)) وأمَّا بيتُ امرئِ القَيس فإنَّ النَّصب فيه يفسد المعنى، وذلك أنَّ غرضه تعظيم شأنه، وأنَّه لو كان يسعى لأمر ناقص لكان يَكفيه القليلُ من المالِ، ولو نصب لانعكس هذا المعنى ولذلك قال بعده:

ولكنَّما أَسعى لمجدٍ مؤثِّل

وإنَّما يجوزُ الأمران فيما لا يُحيل المعنى، قولهم: ((يُفضي إلى الإِضمار قبلَ الذِّكر) قلنا: ذلك جائزٌ إذا كان في الكلام ما يُفسره كقوله تعالى: {حتَّى تَوارَتْ بالحِجاب} يعني الشَّمسَ، ولم يَجْرِ لها ذكرٌ وكذلك {كل من عليها فان} وها هنا يفسر المضمر ما بعده، وكذلك أيضًا جازَ نعم رجلاً زيدٌ فإنَّ الفاعلَ مضمرُ لمَّا كان في الكلامِ ما يفسِّرُه.

وأمَّا تقدمُ العامل فإنَّه يَقتضي المَعمول لا مَحالةَ ولكنْ اقتضاءُ الثاني لمعموله أشدُّ لمجاورتِه إياه وقُربه منه، وقد أَجرت العربُ كثيراً من أحكام المجاور على المجاور له حتى في أشياءَ يُخالف فيها الثاني الأول في المعنى كقولهم: ((حِجْرُ ضبٍّ خربٍ)) وكقولهم: ((إني لآتية بالغَدايا

<<  <   >  >>