دخلَ في الكلامِ الأولِ، ولولا أن هناك فاعلاً مقدراً يُستَثنى منه لم يصح الكلام، ولذلك جازَ ألاّ يأتي بحرف التأنيث كقولك:((ما خَرجَ إلاّ هِنْدٌ)) ولولا ذلك التّاء، وإذا تَحقق المانِع من النَّصب امتنعَ.
والجوابُ: أما المقتضي فموجودٌ لا محالةَ، وأما المانِعُ فغيرُ مُسَلّمٍ، قولهم: إنّ الفاعلَ مقدّرٌ قلنا جوابه من وَجهين:
أحدهما: ليس كذلك فإنّ المقدرَ في اللفظِ يبقَى حكمه عندَ الحَذْفِ وهنا لم يبقَ حكمُ أحدٍ، أَلا ترى أنَّك ترفعُ زيداً بأكلَ كما تَرفعه عند عدمِ ((إلاّ)) كقولك: ما قام إلاّ زيدٌ فزيدٌ فاعلٌ كما أنَّ قولَكَ: ما قامَ زيدٌ كذلك، وأمَّا المستثنى منه فذاك قُدِّرَ من طريقِ المَعنى، وما كان كذلك لا يَبقى له حكمُ من أحكامِ اللَّفظِ أَلا تَرى أنّ قولَك: تَصَبَّبَ زيدٌ عرقاً، وطبْتُ به نَفْساً تَمييزٌ وهو في المَعنى فاعِل، وقَد عامَلته في التَّمييزِ مُعاملةَ الفَضَلاَتِ، لا مُعاملةَ الفاعِلِ.
والوجه الثاني: نُسلّم أن التقدير: ما أكلَ أحدٌ ولكن مثلُ هذا لا يَمنع من التَّقديم فإِنّ قولك: ما طعامك أكل أحدٌ إلاّ زيدٌ جائزٌ للعلةِ التي ذكرنا.
أما قولهم: ما خَرَجَ إلاّ هندٌ فإثباتُ التاء فيه أحسنُ وحذفُ التاءِ محمولٌ على المَعنى، وذلِكَ لا يَمنع من كونِ هندٍ فاعلاً وإنّما هو شيءٌ يَتَعَلَّقُ بالمعنى لا بالإِعرابِ، ويدلُّ على ذلك أنَّك قد فَصَلْتَ بينَ الفِعْلِ والفاعِلِ، ب ((إلا)) والفَصْل بَينهما يَجوَّزُ حذفَ العلامةِ كما تقولُ: حضَر القاضيَ اليومَ امرأةٌ مع أنَّ التَّأنيثَ حقيقيُّ مع أنّ الفَصل جوّز ذلك ونظيرُ