والوجهُ الثاني: أنَّ الشاعرَ إذا اضطُرّ إلى صرفِ ما لا ينصرف جَرّه في موضع الجرّ، ولو كان الجرّ من الصّرف لما أُتيَ به من غيرِ ضرورةٍ إليه، وذلك أنَّ التَّنوين دعت الضّرورة إليه لإِقامة الوزن، والوزن يقوم به سواء كَسر ما قبله، أو فَتحه، فلّما كَسر حين نوّن عُلم أنَّه لَيس من الصَّرفِ؛ لأنَّ المانع من الصَّرف، قائمٌ، وموضع المخالف لهذا المانع الحاجةُ إلى إقامةِ الوزنِ، فيجب أن يختص به.
والوجهُ الثالثُ: أنّ ما فيه الألف واللاّم أو أُضيف يكسر في موضع الجرّ مع وجود المانع من الصّرف، وذلك يَدلُّ على أنَّ الجرَّ يَسقُطُ تبعاً لسقوط التَّنوين، بسبب مُشابهة الاسمِ للفعلِ، والتَّنوينُ سَقَطَ هنا لعلّة أُخرى، فينبغي أن يظهرَ الكسر الذي هو تبعٌ لزوال ما كانَ سقوطه تابعاً له.
واحتجَّ الآخرون من وجهين:
أحدُهما: أنّ الصّرف من التَّصَرُّفِ، وهو التَّقَلُّب في الجهات وبالجرِّ يزداد تَقَلُّب الاسم في الإِعراب، فكانَ من الصَّرْفِ.
والثاني: أنّه اشتهر في عرف النّحويين أنّ غير المنصرف ما لا يدخله الجرّ مع التّنوين، وبهذا حدُّ فيجب أن يكون الحدّ داخلاً في المحدود.