لا يُقال: هذا الكتاب مروي على وجهين ونسختين لاختلافٍ وَقعٍ في كلمةٍ
فيه، وإنما يقال هذه المسألةُ فيه والكلمة تُروى على وجهين، فوَجب بذلك
أن تكون العادة في هذا الاستعمالِ على ما وصفناه.
وقد زعمَ قومٌ أن معنى قولِ النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أنزل القرآن على سبعة أحرف "، أنّه منزل على سبعِ لغاب مختلفات، وهذا أيضاً باطل إن لم يُرد باللغات الوجوه المختلفة التي يتكلّمُ بجميعها وتستعملُ في اللغة الواحدة، والدليل على فساد ذلك عِلمنا بأنَ لغةَ عمرُ بنُ الخطابِ وهشامُ بنُ حكيمِ وأبيُّ بنُ كعبِ وعبدُ اللهِ بنُ مسعودِ وزيدُ بنُ ثابتِ كلّها لغة واحدة وإنها ليست لغاتٍ متغايرة، وهم مع ذلك قد تنافروا وتناكروا القراءةَ وخرجوا إلى ما قدَّمنا ذكرَه، ولو كانوا أيضًا يتكلمون بلغاتٍ مختلفةِ لم يكن ما بينهما من الاختلاف مع كونها لغةَ العرب ولسانَها، يوجبُ خروجَهم إلى ما خرجوا إليه، لأنه لم يكن في تلك اللغات مستشنع ولا مستضعف مرذول يجب إنكاره وردُّه.
فوجبَ بذلك أن يكون ذلك الاختلافُ في حروفِ ووجوهٍ من القراءات
أنزلَ القرآنُ عليها، وإن كانت كلها لغةُ قريشٍ ومن جاوَرَهم وقارَئهم.
فوجبَ أن يكون التأويلُ ما نذهبُ إليه، ومتى أقمنا الدليلَ على بطلانِ جميع
هذه التأويلاتِ صح ما قلناه من أن المعنيّ في الأحرف أنها أوجه وقراءات
ولغات مختلفة بالذي نذكره فيما بعد إن شاء الله.
والذي يبيًن فسادَ جميعِ هذه التأويلاتِ توقيفُ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - على إباحة القراءة بجميعِ الأحرفِ السبعة وإطلاقُه لذلك وإخبارُه بأنه كذلك أنزل، وقولُه في غير خبر:"فاقرؤوا كيف شئتم واقرؤوا منه ما تيسَّر".
وإذا كان ذلك كذلك بطلَ قولُ من زعمَ أنّ معنى الأحرفِ أنّه حلال وحرام ووعد ووعيد