يعني عائشة رضي الله عنها وأنها أنكرت هذا الشعر وعاتَبت عليه، ولما
دعاهُ معاويةُ وأهلُ الشّام إلى التحكيم أمر الحكَمَين بالرجوع إلى كتاب الله
وتحكيمه من فاتحته إلى خاتمته، فكان يقول: والله ما حكمتُ مخلوقاً وإنما
حكّمتُ القرآن.
ولو كان عندهُ قرآن غيرُ هذا ومصحف يجتبيه غير مصحف عثمان
لكانت هذه المواطنُ وقت إظهاره وإعلانه والاحتجاج له وإدخال الناس بما
فيه، ولكان ذلك من أكبر الحُجج على القوم وأشدها كشفا لباطلهم وتنفير
الناس عنهم، وكان ذلك لعليّ من تحكيمه وإظهاره لصحابته والرّضا بما
فيه، وقد زالت التقية وشُقَرت السيوفُ ووقعت المكاشفةُ والمكاسرة.
وأصلُ جميع ما كانوا فيه وأسُّه قتلُ عُثمان وما خرج معه إليه، ولو قد
كان مصحفهُ مغيّراً ومبدّلاً ومنقوصاً منه ومنظوماً على القراءة بغير ما أنزل الله تعالى، والمنعُ من القراءة بصحيح ما أنزله علينا وتحريمه، لَلَزمَ عليا فرضُ
إظهار ذلك، ولكان التغافُل عنه أضرّ بالأمّة والدين من تولية معاوية الشام.
ومن ترك عائشة وطلحة والزبير بالعراق، ولا شيء إذ ذاك يمنعهُ من إظهار
كلام الله تعالى والقدح في المصحف له، ولم يكن حالهُ إذ ذاك دون حال
عبد الله بن مسعود، لما نافر عثمان في الامتناع من تسليم مصحفه وعزله عن
كتبة المصحف بزيد بن ثابت، حتى قال ما قال إلى أن عرف الصوابَ
ورجع، وكان لا أقلّ من أن نكذب من ادّعى أن عنده قرآنا وأشياءَ أخذها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس عند الأمَّة ولا مما بينه للجماعة، فإن ذلك أيضا ممّا يزيدُ في الشُبهة ويقؤي الباطل ويُوهنُ الحق وأهله ويضعفُ شأنه، وقد رُويَ عنه التكذيبُ لمن ادّعى لهُ شيئا من ذلك والحلف عليه.