ويؤدي الانشغال بالوظائف والأعمال وعدم التفرغ للدرس إلى نقص في المذاكرة وإلى نقص في زيادة العلماء ومخالطتهم، وإلى ضعف في المشاركة الصفية، وكل ذلك يؤدي إلى تشييخ الكتاب بدلاً من الشيخ العالم، وفشو الجهل بين طلبة الكليات الشرعية، وقديماً قالوا: من أعظم البلية تشييخ الصحيفة.
إن الكتب عون للمذاكرة، ولا يستغنى بها عن مجالس العلماء والأخذ عنهم، ولقد قال الشافعي رضي الله عنه: من تفقه من بطون الكتب ضيع الأحكام.
وقال في ديوانه:
أخي لن تنال العلم إلا بستة سأنبيك عن تفصيلها ببيان
ذكاء وحرص واجتهاد وبلغة وصحبة أستاذ وطول زمان
إن مشكلة عدم التفرغ لطلب العلم هي أعظم مشكلة لمن أراد أن يدرس علوم الحديث، ويزيد هذه المشكلة تعقيداً أن الطالب قد ينجح ويتخرج من الكلية لسبب أو لآخر ثم بدلاً من الالتفات إلى تمكين نفسه في علوم الحديث وتحصيل ما فاته أيام الانتساب إلى الكلية، تراه بعد تخرجه مباشرة، يضاعف من عمله الدنيوي لشراء منزل وأثاث وسيارة، وينصرف للبحث عن زوجة وبناء أسرة، وتمر الأيام والليالي دون مذاكرة لما درسه، ودون تحصيل لما فاته، فيمسح من ذاكرته ما كان فيها وكأنه ما رأى علم الحديث في حياته ولا شاهد شيئاً أو سمع شيئاً من مصطلحاته.
إن علم الحديث لا يمكن التمكن فيه بدون التفرغ لتحصيله، إنه علم ينبغي أن لا يترك ساعة.
إنه العلم الذي قيل فيه: من أراد أن يتركه ساعة فليتركه الساعة. وأحيل في هذا المقام طلبة الحديث إلى قراءة ما جمعه الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله تعالى في كتابه صفحات من صبر العلماء على شدائد العلم والتحصيل.
(د) المشكلات التي ترجع إلى المدرس والكلية والمجتمع: