وكان كلما تقدم الزمن قل عدد العلماء الذين نذروا أنفسهم لهذا العلم، إلى أن أصبح في القرن الرابع عشر الهجري (١) يعتبر من نوافل العلوم، ولا يدرس إلا دراسة سطحية تقتصر على حفظ التعريفات، وانصرف الطلبة بل العلماء أيضاً إلى الاشتغال بعلم الفقه، لحاجة الناس إليه في النوازل المستجدة، وطمعاً في منصب القضاء، وشاع عند هؤلاء المتأخرين مقولة:(إن علم الحديث نضج واحترق) .
وأدت هذه المقولة إلى عزوف الطلبة عن دراسة علم لا مجال للنبوغ فيه، أو الزيادة عليه.
وفي النصف الثاني من القرن السابق عادت مظاهر الاهتمام بتدريس هذا العلم، فأنشئت كليات تدرس علوم السنة وعلوم القرآن وعلوم العقيدة، وعُرفت باسم كليات أصول الدين، وافتتحت في مرحلة الدراسات العليا تخصصات في كل علمٍ من العلوم المذكورة، وتخرج منها أناسٌ حملوا شهادات عالية (ماجستير ودكتوراة) في السنة وعلومها، وقاموا بتدريسها للطلبة في الكليات الشرعية بعد أن كان يقوم بذلك أي متخصص في علوم الشريعة عموماً، واعتبر هذا العلم علماً ضرورياً، ومتطلباً رئيساً لكل طالب جامعي في الدراسات الإسلامية، ينبغي أن يكون فيه متخصصون يتابعون مسيرة السابقين ويبنون عليها، وكان من نتائج هذا الاهتمام بروز أعلام ارتبطت أسماؤهم بجهودهم في خدمة علوم السنة تدريساً وتصنيفاً.
(١) يستثنى من ذلك بلاد الهند فقد ظهر في القرون الثلاثة الأخيرة فيها نهضة نشطة في مجال علوم السنة وشروحها، وظهر فيها أعلام كبار صنفوا كتباً جليلة تدل على علو كعبهم ورسوخ قدمهم فيها.