والجهد المبارك الذي ابتدأه الإمام الرامهرمزي في الجمع والتهذيب، إنما أقامه على جهد هائل ضخم قد سبقه النبلاء من العلماء في التأسيس له والعمل على إشاعته وإثرائه، كالإمام شعبة (ت ١٧٠ هـ) ، وابن المديني (ت ٢٣٤ هـ) ، وابن معين (ت ٢٣٣ هـ) ، وأحمد بن حنبل (ت٢٤١هـ) ، وأبوزرعة (ت ٢٦٤ هـ) ، وأبو حاتم (ت ٢٧٥ هـ) ، والبخاري (ت٢٥٦هـ) ، والترمذي (ت ٢٧٩ هـ) ، والنسائي (ت ٣٠٣ هـ) ، وابن خزيمة (ت ٣١١ هـ) وابن حبان (ت ٣٥٤ هـ) ، وابن عدي (ت٣٦٥ هـ) ، وقبل هؤلاء ومع هؤلاء وبعد هؤلاء جمهرة جليلة القدر، غزيرة العلم، عظيمة الحماسة بذلت جهدا هائلاً في خدمة الحديث النبوي الشريف وعلوم السنة المباركة بكل صدق وعزيمة وإخلاص.
وفي جهود هؤلاء المتقدمين غنيمة باردة حاضرة، ولنا فيها سهم كبير، وتعويل كثير، والحصيف العاقل هو الذي يبدأ من حيث انتهى الناس، فيعمل على التأمل فيما خلفه لنا هؤلاء الأسلاف الكرام، ويحيط به علما وفهما وجمعا، ثم يحاول أن يمضي بهذا العلم بما يفتح الله عليه من زيادة في ضبط أو إضافة لجديد، أو تنبيه على خطأ، أو تطوير في المنهج التنظيمي الشكلي لهذه العلوم فكم ترك المتقدم للمتأخر ثم لابد لها من التطوير في البناء والمضمون بما يتناسب مع تطور العصر، ويتواكب مع أحوال طلبة العلم وغيرهم من المسلمين، حيث إن هذه الواقعية تحتاج إلى برامج تشويقية وتسويقية ودعوية تشد الناس من جديد إلى هذا العلم، وتجمعهم أسوة بمن سلف من كرام أسلافهم، وبهذا تبقى رايته خفاقة مرفوعة، وعلماء السنة اليوم هم المسؤلون مسؤولية مباشرة عن هذا الأمر، وهم المكلفون بتحقيقه، والله المستعان.
وهذه الحركة التي ندعو إليها إنما تتلخص في الاستفادة من جهود المتقدمين والمتأخرين، وهي الصورة المثلى لتحقيق هذه الأمنية.