من هنا جاء في كتب المصطلح بيان هذه النقطة المهمة للغاية لكيلا يقع لدينا خلط بين أسلوب المتقدمين النقاد وبين أسلوب المتأخرين عموما في التصحيح والتضعيف والمصطلحات التي يستخدمونها في ذلك؛ يقول ابن الصلاح: قولهم حديث صحيح الإسناد أو حسن، دون قولهم: هذا حديث صحيح أو حديث حسن، لأنه قد يقال هذا حديث صحيح الإسناد ولا يصح لكونه شاذا أو معللا، غير أن المصنف المعتمد منهم إذا اقتصر على قوله إنه صحيح الإسناد ولم يذكر له علة ولم يقدح فيه فالظاهر منه الحكم له بأنه صحيح في نفسه لأن عدم العلة والقادح هو الأصل والظاهر (١) .
يفيد هذا النص وجود خلاف بين القولين:(حديث صحيح) ، و (إسناده صحيح) ، وإذا تتبعنا كتب السابقين وجدنا النقاد المتقدمين يتعودون على اللفظ الأول، والمتأخرين على الثاني. وبالتالي فإن التمييز بين القولين في المعنى، وحمل كل منهما على محمله الحقيقي هو عين الإنصاف، وأما غير ذلك فيعد انحرافا خطيرا يجب على العلماء إصلاحه.
(١) التقييد والإيضاح ص: ٥٨، انظر تعليق الحافظ السخاوي على هذا النص، إذ قال: ((وأما من لم يتوقف من المحدثين (يعني المتأخرين) والفقهاء في تسمية ما يجمع الشروط الثلاثة (وهي العدالة والضبط والاتصال) صحيحا، ثم إن ظهر شذوذ أو علة رده، فشاذ، وهو استرواح، حيث يحكم على الحديث بالصحة قبل الإمعان في الفحص وتتبع طرقه التي يعلم بها الشذوذ والعلة نفيا وإثباتا فضلا عن أحاديث الباب كله التي ربما احتيج إليها في ذلك، وربما تطرق إلى التصحيح متمسكا بذلك من لا يحسن، فالأحسن سد هذا الباب وإن أشعر تعليل ابن الصلاح ظهور الحكم بصحة المتن من إطلاق الإمام المعتمد صحة الإسناد بجواز الحكم قبل التفتيش؛ حيث قال: لأن عدم العلة والقادح هو الأصل الظاهر فتصريحه بالاشتراط يدفعه، مع أن قصر الحكم على الإسناد - وإن كان أحق - لا يسلم من الفقهاء)) انتهى. يعني بهم الفقهاء المتأخرين بدون شك.