للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

- لقد اكتملت ملامح النقد في هذه المرحلة، حيث تحقّقت أسبابه. حيث إن الميزان النقدي الحديثي يعتمد كل الاعتماد على الإحاطة البالغة بالمنقولات، وعلى استحضارها جُملةً عند نَقْدِ كل حديث. وهذا يستلزم أن تكون محفوظةً في الصدور، ولم يكن لذلك الحفظ أن يتمّ لولا جهود العلماء في الجمع والتدوين (١) .

إن علاقةَ نقد السنة بالحفظ لها في الصدور، ذلك الحفظ المتقن المحيط الواسع، لا يخفى على من عرف حقيقة ذلك النقد وعُمْقَه، وشموليّةَ معياره النقدي، ودِقّةَ ذلك المعيار، الذي يصل إلى حدٍّ يُشبه فيه الكهانة عند غير أصحاب العلم به (٢) .

وقد أُتيح هذا الحفظُ الواسع لأئمة هذه المرحلة، فجاء نَقْدُهم بملامحَ واضحةٍ لصورته النهائيّة التامّة.


(١) وهذا الجمع والاستقصاء في حفظ السنّة. هو الذي جعل العلماء يَرَوْنَ أنَّ احتمال التفرُّدِ من الراوي بالسنّة يزدادُ ضَعْفُه كلّ ما امتدّ الزمن وبَعُدَ الجيل، حتى وصل الأمر إلى درجة ردّ المفاريد لمجرّد أنّها مفاريد من بعض حُفّاظِ صغارِ أتباع التابعين، وإلى ردِّها مطلقاً ممّن بعدهم. انظر: الموقظة للذهبي (٧٧ - ٧٨) .
(٢) وأقوال العلماء المتقدمين والمتأخرين أكثر من أن تُحصى في ذلك، ولمثل ذلك قال علي بن المديني:» الباب إذا لم تُجمع طرقه لم يتبيّن خطؤه « (الجامع للخطيب رقم ١٧٠١) ، وقال يحيى بن معين: ((لو لم نكتب الحديث من ثلاثين وجهاً ما عقلناه)) .
وانظر الفصل الذي عقده الخطيب البغدادي بعنوان: ((أن المعرفة بالحديث ليست تلقيناً، وإنما هو علمٌ يُحدثه الله في القلب)) ، (الجامع لأخلاق الراوي: ٢/٣٨٢ - ٣٨٥) .
ولهذا قال الحافظ ابن حجر عن علم العلل في النزهة (٩٢) : ((ولا يقوم به إلا من رزقه الله تعالى فهماً ثاقباً وحفظاً واسعاً ومعرفة تامّة بمراتب الرواة وملكةً قويّة بالأسانيد والمتون، ولهذا لم يتكلّم فيه إلا القليل من أهل هذا الشأن)) .

<<  <  ج: ص:  >  >>