فإنّ علم المصطلح دراية شأنه شأن أغلب علوم الوسائل يقوم في ظنّي على المنطق والعقل، وإنّ أسلافنا الميامين من العلماء البررة بذلوا جهوداً مضنية في بناء هذا الصرح الشامخ وخدمته حتّى أصبح علماً فريداً في قوّته وأهمّيّته بين العلوم إلا أنّ اختلاف أنظار العلماء وتزاحم آرائهم حول تحرير مصطلحاته والتعبير عنها بطرق متعدّدة جعلت بعض تعريفاته تتعرّض لشيء من الإخلال التي تفقدها الشرط الجوهري للتّعريف وهو أن يكون جامعاً مانعاً. كما أنّ توسّعهم في التحليل والتصوّر عسّر عمليّة الوصول إلى أمثلة تطبيقية تعبّر عن واقع المصطلح. وإذا كان العلماء المتمرّسون لا يضنيهم البحث عنها والوصول إلى المراد، فإنّ طلبة العلم المبتدئين خاصّة يجدون من العسر في فهمها ما قد يجعلهم يشيحون عنها.
ولتقريب جني ثمار هذا العلم الشريف لطلابنا ولتحبيبهم فيه لابدّ من تيسير وصول هذا العلم إليهم واضحاً، بيّناً، بمصطلحاته وأمثلته، ويحضرني هنا مثال على الكتب التعليميّة الواضحة والناجحة هو كتاب» البلاغة الواضحة «فقد سلك مؤلفاه عليّ الجارم، ومصطفى أمين رحمهما الله نهجاً تعليميّاً واضحاً فيبدآن عند دراسة كلّ نوع من أنواع علم البلاغة:
بعرض جملة من الأمثلة.
ثم يشرعان في بحث تلك الأمثلة ودراستها.
ويخلصان من البحث إلى استخلاص القاعدة أو القواعد فيصوغانها بعبارات محرّرة جامعة مانعة.